داعش واليمين المتطرف «المتشدد» الشعبوى وجهان لعملة واحدة هى الإرهاب. اليمين المتطرف ليس وليد اللحظة، وليس سبب ظهوره الإسلام أو المهاجرين، ورغم عشق أنصاره لأدولف هتلر وبينيتو موسوليني، إلا أن ظهوره قديم، فهو مرتبط بكراهية الآخر أيا كان اسمه. فمنظمة «كو كلوكس كلان» ظهرت عام 1866، ورفعت شعار "تفوق الجنس الأبيض" واستخدمت العنف ضد السود، وشهدت مراحل انتعاش على مدى التاريخ الأمريكى لدرجة أنها ضمت 15٪ من الأمريكيين خلال عشرينيات القرن الماضي، وازداد نشاطها فى 2016 مع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. النازيون الجدد، والفاشيون الجدد، وحليقو الرأس.. أسماء متعددة لأفكار تكاد تكون متشابهة فى رفض الآخر، معاداة الدولة والمؤسسات والقوانين، كراهية الأجانب والمسلمين والمهاجرين، وتبنى العنف من أجل السيادة. ومن أجل تحقيق أهدافه، بدأ اليمين المتطرف يحمل السلاح، ويتحول إلى ميليشيات مسلحة مثل "مواطنى الرايخ" و"المواطنين المستقلين" فى ألمانيا، و"كاسا باوند" الفاشى فى إيطاليا، و"حركة القوات الفاعلة" فى فرنسا. "نحن ضد الآخر".. شعار رسمى لهذه الجماعات أو التنظيمات التى تم تصنيفها على أنها إرهابية بسبب استخدامها العنف ضد المسلمين والمهاجرين تحديدا، وشن هجمات تستهدف المساجد، بل أنهم يستخدمون تكتيكات مشابهة لداعش مثل الدهس مثلما حدث فى شارلوتسفيل الأمريكية، وهو الحادث الذى أثار حالة من الجدل والهجوم الشديد على ترامب بسبب مماطلته فى إدانة "القوميين البيض" واستخدامهم للعنف. وكشفت دراسة الاتحاد الوطنى لدراسة الإرهاب والاستجابة للإرهاب بجامعة ميريلاند الأمريكية عن أن 92٪ من حوادث القتل بدافع أيديولوجى فى الولاياتالمتحدة فى الفترة من 2007 إلى 2016 كانت بسبب إرهاب اليمين المتطرف والتفوق الأبيض، وأنه فى اليوم التالى لأحداث 11 سبتمبر 2001، تسبب الإرهاب الأبيض وليس الإسلامى فى 73٪من حوادث العنف. إيطاليا شهدت فترة تسمى ب"سنوات الرصاص" من نهاية الستينيات وحتى بداية التسعينيات بسبب ارتكاب اليسار المتطرف واليمين المتطرف جرائم "الإرهاب السياسي". وفى مارس 2018، أكد البريطانى مارك روالى رئيس شرطة مكافحة الإرهاب السابق أنه تم إحباط 4 مخططات لشن هجمات إرهابية من اليمين المتطرف، خصوصا عقب أغتيال النائبة جو كوكس على يد يمينى متطرف. وفى ألمانيا، كشفت محاكمة ووالفجانج. بى المتهم باغتيال شرطى فى إقليم بافاريا، عن ظهور جماعة سرية تسمى "مواطنى الرايخ"، وتضم فى عضويتها ما يقارب 13 ألف ألماني، والتى لا تعترف بسلطة الدولة ولا بقوانينها، وبالنسبة إليهم يجب العودة إلى الحدود الألمانية لما قبل تاريخ الهزيمة فى الحرب العالمية الثانية، بينما يحن بعضهم إلى "مملكة بروسيا".. ودفع ظهور هذه الجماعة إلى جانب تنظيم "المواطنين المستقلين" السلطات الألمانية إلى الإعراب عن قلقها الشديد بسبب زيادة الإقبال عليهما خصوصا من الرجال فوق سن الأربعين، كما أنه ليس لها هيكل موحد، وتستخدم عدة مجموعات نفس الأسماء على الرغم من اختلاف المعتقدات. وبناء على تقارير هيئة حماية الدستور "المخابرات الداخلية" تصنف هذه الجماعات باعتبارها "أعداء للدولة ومتطرفين" خصوصا أنها تتصف بالتشدد وبأن لديها "صلة قوية بالأسلحة"، كما أن أعضاءها "على استعداد لاستخدام أسلحتهم للقيام بأخطر أعمال العنف. وإلى جانب هؤلاء، توجد جماعة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" (بيجيدا) التى تعادى المسلمين والمهاجرين، وتتظاهر بشكل مستمر ضد وجودهم وتحدث اشتباكات عنيفة وإحراق لمخيمات اللاجئين. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فزعماء هذه الجماعات لديهم ملايين المتابعين لأفكارهم ودعواتهم للعنف على مواقع التواصل الاجتماعي، بل إن هذه الأفكار أو الايديولوجيا أصبحت ممثلة فى أحزاب سياسية وصلت إلى البرلمانات الغربية مثل "حزب البديل من أجل ألمانيا"، و"الجبهة الوطنية" فى فرنسا، وحزب "الاستقلال" البريطاني. وكشفت أول دراسة نفسية أجراها باحثون فى جامعة ويسكونسن الأمريكية للمئات من أتباع اليمين المتطرف عن أنهم يعانون من متلازمة "الثالوث المظلم" والمتمثلة فى الاعتلال النفسي، والنرجسية، والميكيافيللية. وهكذا، فإن الإرهاب الأبيض ربما يكون أكثر خطورة على الغرب من إرهاب تنظيمات مثل داعش والقاعدة الذى يتحمل أوزاره الشرق الأوسط وحده، وتقف هذه الدول موقف المتفرج على مثل هذه التنظيمات التى تتسع يوما بعد يوم وتواصل امتلاك الأسلحة وارتكاب الجرائم ضد الآخرين.