وسط أجواء ملتهبة فى مواجهة غزة وفى مواجهة ترتيبات جديدة فى جنوب غرب سوريا استبقت تل أبيب صفقة القرن بقانون يعد تكريسا لما هو مطبق على الأرض، ومررت ما فشلت فى تمريره منذ أكثر من عام، فمن هم الأكثر تضررا من هذا القانون؟ وما سر اختيار هذا التوقيت؟ وهل هناك مجال لاجبار إسرائيل على التراجع؟... القانون تصدرته فقرة تؤكد أن أرض إسرائيل هى الوطن التاريخى للشعب اليهودي، التى فيه قامت دولة إسرائيل، وهى مغالطة تاريخية تتجاهل حقائق التاريخ، حيث إن بنى إسرائيل كان لهم إطار سياسى لفترة قصيرة جدا سبقتهم وتلتهم فيها حقب طويلة جدا أخرى، فضلا عن اعتراف التوراة ذاتها بأن الأمر لم يستتب لهم حتى فى المناطق التى سيطروا عليها حيث بقى اليبوسيون وسطهم، فضلا عن إشكالية أخطر ألا وهى علاقة الصهاينة الحاليين ببنى إسرائيل، حيث يتضح من ملامحهم ولغاتهم وثقافتهم أن هناك بونا شاسعا فى الأصول.. ناهيك عن عدم تحديد القانون الإسرائيلى حتى الآن من هو اليهودي، فى ظل رفض جماعات دينية يهودية عديدة الاعتراف بيهودية عدد كبير من المهاجرين الجدد من روسيا وإثيوبيا وغيرها من البلدان. لماذا تم إصدار القانون فى هيئة قانون أساسي؟، حيث حرصت حكومة نيتانياهو على هذه الصيغة حتى لا يخضع لرقابة قضائية، بل إن ما سيحدث هو العكس، ستجبر المحكمة الكنيست على تعديل أى قانون يتعارض مع نص هذا القانون، حيث يتم اعتباره فصلا من الدستور حتى وإن كان لم يتم التوافق عليه بأغلبية الثلثين.. ودون استفتاء شعبي! ولا يتغير القانون إلا بقانون أساسى آخر يصدر عن الكنيست. وعلى أرض الواقع لم يكن للعربية مكانة رسمية فى إسرائيل، حيث كنا نجد أن التنبية بلافتات لمواضع الخطر ومخاطبة الجمهور بتوخى الحذر يتم بالعبرية أو بالعبرية والروسية فقط، لكن القانون كرس هذه العنصرية أو دعونا نقول هذه الجرائم المتكاملة ضد من لا يعرف العبرية. كما عزز القانون توجه اليمين المتطرف الاستيطانى فى القدس، حيث ذكر القانون أن: القدس الكاملة والموحدة عاصمة إسرائيل. وكأنه يتحدى المجتمع الدولى وأمريكا أيضا، حيث تحفظت واشنطن وهى تنقل سفاراتها وأعلنت على لسان الرئيس ترامب: سندعم ما يتوصل إليه الطرفان بشأن حدود مدينة القدس». القانون ينص على إنشاء مستوطنات لليهود فقط، وهو ما اعترض عليه المستشار القانونى للحكومة وعدة أحزاب، وأصر نيتانياهو على الابقاء عليه فى الصيغة النهائية للقانون. وهو ما يعد خرقا والتفافا على حكم سبق أن أصدرته المحكمة العليا الإسرائيلية ذاتها عام 2000 لصالح فلسطينى وأسرته يعترض على اقامة تجمعات سكنية لليهود فقط، حيث نصت حيثيات الحكم أن الدولة يجب أن تقوم على المساواة، وأن تخصيص تجمعات سكنية لليهود فقط فيه تمييز وبالتالى انتهاك للقانون. اللافت للانتباه أن الوزير الإسرائيلى الذى تولى الترويج للقانون ساوى بين الفلسطينيين والمتسللين لإسرائيل، موضحا أن الصياغة هدفت تحصين المجتمع من الاتهامات المتكررة بشأن انتهاك مبدأ المساواة. وفى المقابل أقر وزير المالية الإسرائيلية موشيه كحلون (قيادى منشق عن الليكود ومؤسس حزب كولانو) بعد أسبوع كامل من صدور القانون بحدوث أخطاء قائلا: كنا متهورين، أخطأنا ويجب أن نعدل القانون! وهو ما يلقى بظلال من الشك على المنظومة برمتها، فمشروع القانون مطروح من مايو 2017 وتم تسريع وتيرة إصداره منذ ديسمبر من العام نفسه، وتم طرد النواب العرب فى الكنيست لمجرد أنهم وصفوا القانون بأنه أبادتها يد وبعد كل هذا يعبر قيادى فى الائتلاف الحكومى وزعيم حزب مؤثر ( له 10 مقاعد فى الكنيست) عن ندمه على اصدار القانون!. لقد قدرت إسرائيل أن الأجواء مهيأة لتمرير القانون العنصرى الاستعمارى نظرا لأن رام الله منهكة وخياراتها محدودة، وغزة كذلك تعانى من نفس الخلل المزمن، لكن الثابت هو أن تل أبيب بإقرارها القانون العنصرى وضعت مجددا خطا فاصلا عميقا بينها وبين مزاعم كونها دولة ديمقراطية.. وهى فى جميع الأحوال لم تضع فى المعادلة غضبة الشارع الفلسطينى غير المسيس والتيارات المستقلة التى نظمت تحركات سلمية ناجحة على الأرض منذ مايو الماضى والتى من شأنها إذا ما شعرت بفقدان الأمل أن تنفجر وتنتزع حقوقها على غرار ما حدث مع قرار تركيب بوابات وكاميرات فى مداخل الحرم القدسي، كما لم تضع فى الحسبان جهود المصالحة المصرية التى قد تثمر قريبا إذا ما تحرك الشقيقان الفتحاوى والحمساوى بتجرد قبل فوات الأوان. لمزيد من مقالات د. أحمد فؤاد أنور