بهذا العنوان احتضن موسم مدينة اصيلة المدنية الواقعة الى جنوبطنجة فى المغرب موسمها الاربعين الذى ينظمه منذ النشأة الاستاذ محمد بن عيسى على مدى اسابيع فى شهر يوليو كل عام، وتتخلل النشاطات الفنية المختلفة، على الاقل ندوتين كبيرتين. فى العيد الاربعين كانت احدى الندوتين هى العنوان السابق، والموضوع ليس سهلا تناوله، ومن الخفة التعميم حوله وقد قيل الكثير من الافكار فى هذا الموضوع من عدد من كبار المفكرين حيث لم تخرج عن ثمانى نقاط أساسية. أولا: ان الحاجة الى الدين هى حاجة انسانية سواء كان ذلك الدين سماويا او ارضيا، لأن الانسان لا يستطيع ان يحيط بكل مظاهر الكون حوله، فهو يركن الى (قوة) من خارجه، تقدم له حلولا يستطيع ان يركن اليها فى تفسير ما انغلق عليه من عدم معرفة، لذلك كلما اتسعت دائرة العلم، قلت التفسيرات الدينية للظواهر التى تحيط بالإنسان. ثانيا: عقلا لا يمكن ان يتسق التفكير بان الاسلام على اطلاقه هو ارهابى لأنه لم يعتنق كل نلك الملايين من البشر الذى يدينون بالإسلام، من ثقافات مختلفة وخلفيات اثنية مختلفة، إلا وبه الكثير من أسباب الجذب الانسانى لهذه الديانة، فهو فى الاصل انسانى وحياتي. ثالثا: فى الاربع مائة سنة الاولى من الدعوة وصلت الحضارة الاسلامية الى مكان متقدم، بالمقارنة مع ما كان موجودا من حضارات معاصرة لها، وكان المسلمون وقتها يؤمنون بما يؤمن به المسلم اليوم، ولم يعطلهم ايمانهم عن الوصول الى تلك المكانة من التقدم، فالسبب فى التردى هو فهمنا للاسلام، لا الاسلام نفسه. رابعا: السؤال الملح، لماذا هذا التدهور الذى نراه حولنا من ارهاب وتخلف؟ خاصة فى الموقف من الآخر، والموقف من التنمية الكونية بكل ما تحمله من قيم وسلوك، وتوجه الى تكريس التفكير العلمى فى حل المشكلات؟. خامسا: القصة هنا يمكن تفسيرها بان فهمنا للنصوص والاستخدام الانتقائى لها، بجانب التوظيف السياسي، والجهل العام، معطوفا على الاستخدام فى الصراعات الدولية التى كانت دائرة فى اثناء الحرب الباردة، لقد استخدم الدين الاسلامى فى الصراع فى افغانستان، كما استخدمته امبراطوريات غربية مثل بريطانيا والمانيا فى اوقات مختلفة. سادسا: السلطة المختلفة فى بلاد العرب، بعد التحرر من الاستعمار لم تقدم مشروعا حديثا للدولة، فقد كان حكم العسكر او الحكم ذو الخلفية الدينية او القبلية، الذى ساد فى معظم الفترة، خالى الوفاض من التوجه لبناء دولة مدنية حديثة وعادلة، تستخدم القواعد الكونية فى تسيير الحكم! ففشل عدد من هذه الدول وأخرى وقعت فى مكان المراوحة, أدى ذلك, من جملة أسباب اخرى، أن تنتعش فى العقود الاخيرة الافكار المحافظة والدعوات التى تنظر الى عصر ذهبى مُتخيل حدث فى السابق التاريخى وعلينا ان نعيد ظروفه كى نهيئ لنهضة اخرى!. سابعا: هذا المأزق من اجل المقارنة، وقعت فيه شعوب وثقافات اخرى من بينها وليست الوحيدة ( الصين) كمثال، فقد كان اقتصاد الصين فى مطلع القرن العشرين يستحوذ على 40% تقريبا من الانتاج المحلى العالمي، ثم دخلت فى سبات عميق، كان القاعدة فى السابق، ان كل ما ياتى للصين من الخارج فى اطار وسائل التقدم، يرفض (لأن لدينا كصينيين أفضل منه)! وهكذا دخلت الصين فى دورة لولبية الى اسفل، حتى جاء ما عكس تلك المعادلة، كلما جاءت افكار من الخارج مفيدة تقابلها افكار سلبية سابقة، استغنى عن الافكار والممارسات السابقة، لصالح تبنى القادم الجديد والمفيد, فتبنت الصين الجديدة ماركسية معدلة فى بناء المجتمعات وتحولت من الزراعة الى الصناعة مع تطوير للأفكار والممارسات الجديدة تتناسب مع المجتمع العالمي، حتى اصبحت اليوم قريبة من ان تكون قوة اقتصادية اولى فى العالم. ثامنا: لا مناص من اعادة زيارة من جديد بما قاله المفكر الاسلامى نجم الدين الطوفى القرن الثامن الهجري، الثالث عشر الميلادى فى فصل من كتابه شرح الاربعين النووية, فصل فى رعاية المصلحة, والذى قال فيه إذا تعارض النص مع المصلحة، فضلت المصلحة، وهى فكرة عاد اليها عدد من المفكرين العرب اوائل القرن العشرين، ولكنها لم تأخذ حقها فى المناقشة المستفيضة وآن لنا ان نفعل اليوم. لمزيد من مقالات ◀ د. محمد الرميحى