«التار ولا العار» مثل شعبى تردده ألسنة الصعايدة يورث فى القلوب الحقد والضغينة وقد يلقنه البعض لأطفالهم وهو أن الأخذ بالثأر شرف للعائلة ما بعده شرف.. وان كانت هذه المقولة تتناقض مع الشرع والدين والقانون والأعراف، ولكن تظل عادات الصعايدة أقوى من اى عرف أو قانون. فعادات أهالى الصعيد هى من تتحكم بمستقبلهم وليس هم من يتحكمون فى المستقبل فمازالت عادة الثأر تسيطر على عقول الأمهات التى تشعل القلوب ويتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل حتى باتت تجرى على أرض أسيوط كجريان نهر النيل. فما ان تختفى هذه الظاهرة حتى تطل برأسها مرة أخرى ليعم الهم والغم على ربوع البلاد والعائلات ويدفن من يدفن ويسجن من يسجن ويغلق الكثير من الأبواب ويحل الخراب على الديار العامرة بالرجال والمال والأولاد لينتهى بهم الحال ويستمر مسلسل نزيف الدماء يجرى فى قلوب أصحاب النفوس المريضة الذين يؤمنون إيمانا كبيرا بضرورة الأخذ بالثأر ولو حتى ممن ليست لهم علاقة بالدم، حيث يتوارث الصعايدة مقولة «اقتل أكبر من فى العائلة المقابلة» وهو ما يسمى ب «عملية الانتقاء» باختيار أفضل العناصر فى طرفى الخصومة سواء بقتلها او توجيه التهم إليها والهدف من ذلك إضعاف الخصوم وإرغامهم ووجع قلوبهم على اعز أبنائهم. ولعل جريمة قرية مجريس فى أسيوط مثال حى لذلك حيث استهدفت ابناء عائلة «العيايدة» أهم شخص فى عائلة «العويات» الذى يعمل ناظرا لاحدى المدارس بصدفا وتربصوا به وأردوه قتيلا بوابل من الأعيرة النارية فاق عددها الثلاثين طلقة أمام أسوار المدرسة فى أثناء ذهابه للعمل للثأر لابنهم الذى مات دفاعا عن «الحمار» الذى كان يمتلكه. بدأت أحداث الواقعة عام 2012 حينما خرج «عصام .ح.م» (27 سنة) صباح اليوم كعادته ليذهب إلى الحقل فى الصباح الباكر ممتطيا حماره وعقب وصوله ترك الحمار فى الحقل يأكل فى الحقل دون أن يكترث له منهمكا فى عمله وبعد دقائق فوجئ بجاره فى الحقل المجاور له ينهره ويوبخه بسبب زحف الحمار الخاص به لحقله وقيامه باأكل من الحقل، وهو ما لم يتقبله عصام وبادر بالرد على جاره ليتفاقم الأمر بينهما ويصل إلى مرحلة الاشتباك بالأيدى لينتهى الأمر بمصرع عصام واتهم حينها «علي.أ.ف» وشقيقه «عماد .أ. ف» وحكم عليهما بالسجن 3 سنوات وعقب ذلك بدأ والد المجنى عليه وأشقاؤه فى محاولة الثأر لأبنهم ولكن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل ليجتمع الأب وابناؤه عقبها ويحددون هدفا للثأر لشقيقهم واستقر الجميع على تحديد الهدف الذى يدمى قلوب العائلة باكملها باختيار أفضلهم ووقع الاختيار على مدير مدرسة صدفا «كمال.أ.أ» الذى يتمتع باحترام الجميع بالقرية وله مكانة مرموقة بين أفراد عائلته وبالفعل عقدوا النية وترصدوا خطواته حتى تربصوا له صباح يوم الواقعة وانتظروه حتى اقترب من سور المدرسة التى يعمل بها وانهالوا عليه بوابل من الأعيرة النارية تخطت الثلاثين طلقة اخترقت جسده ليسقط على الأرض غارقا فى الدماء ولفظ انفاسه الأخيرة ليدفع ثمنا غاليا ليس له اى ذنب فيه سوى انه نجل عمومة الجناة الحقيقيين الذى يتمتعون بحياتهم، ليفتح مسلسل الثأر صفحة جديدة من كتاب لا نهاية له فى ظل الحقد والكراهية التى تورثها هذه الجرائم. وعقب الواقعة انتقل فريق من ضباط المباحث باشراف اللواء أسعد الذكير مدير المباحث الجنائية وبرئاسة المقدم أحمد ابو بكر رئيس مباحث صدفا، لمكان الواقعة حيث تم تحديد الجناة، وتبين أنهم والد المجنى عليه عصام واشقاؤه وانهم ثأروا لشقيقهم وتم تحرير محضر بالواقعة وأخطرت النيابة التى باشرت التحقيق وصرحت بدفن جثة المجنى عليه ووجهت بسرعة ضبط المتهمين الهاربين، حيث امر اللواء جمال عبدالبارى مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن العام بتشكيل فريق بحث قاده اللواء اشرف توفيق مساعد مدير الادارة العامة للمباحث الجنائية لقطاع الامن العام لسرعة ضبط المتهمين فى الحادث.