أتحدث عن فكر جديد وضعه باحثان هما وليم ماكدونو وهو مصمم معماري أمريكى، والآخر مايكل برونغارت وهو كيميائي ألماني في كتاب مهم بعنوان «من المهد إلى المهد..إعادة صياغة الطريقة التي نصنع بها الأشياء»، حيث يدعوان إلى فلسفة صناعية بيئية جديدة، ويحددان أطر ملامحها العامة القائمة أساساً على تطوير أنماط التصنيع وإدارة منتجاتها. إن نمط التصنيع والاستهلاك الحالي يشجع على تكديس النفاية بل وقائم على خلق النفاية، فليتخيل أحدنا ماذا سيصادف في أي مقلب قمامة.. تليفزيونات وأحذية وأثاث وكمبيوترات وبلاستيك ومواد عضوية كالحفاضات وبقايا الطعام والخشب.. كل هذه المواد تكلَّفت المليارات لتصنيعها.. المواد العضوية ستتحلل وتعود إلى الأرض، لكن كل شيء سواها سيُترك للبيئة، وعليه يمكننا أن نعتبر وبكل راحة ضمير أن كل منتج وسلعة تخرج من مصانعنا اليوم هى موجَّهة في نهاية المطاف نحو مواقع النفايات. إن المستهلك ليس هو خاتمة السلسلة الإنتاجية التي تبدأ من المادة الخام مروراً بالمصنع فالمتجر فالمشتري. هذا المشتري ليس سوى محطة (ترانزيت) مؤقتة للسلعة التي ستواصل مشوارها في نهاية المطاف نحو سلة المهملات. والفكر الجديد الذى يتبناه الباحثان هو التصميم «من المهد إلى المهد» والذى يستمدّ الإلهام من الطبيعة، حيث لا يوجد ما يُسمّى «نفايات»، لأنّ «النفايات تساوى الغذاء».. لقد تمّت صياغة هذا المصطلح في أواخر السبعينيات «تصحيحا» لتعبير منتشر في العالم وهو «من المهد إلى اللحد» – باعتبار أن حياة المنتجات ليست دورية، فمع نهاية استخدامها، تصل إلى مواقع النفايات بعيدًا عن العين والأنف، فتعبير «من المهد إلى اللحد» ليس بالضرورة نتيجة حتمية للاستهلاك والنشاط الاقتصادي، ولكن يمكن النظر إليه على أنه مشكلة أساسية في التصميم والتخطيط. ومن شأن التخطيط السليم بموجب قوانين الطبيعة، أن يجعل من أضرار الإنتاج والاستهلاك قوة حياتية، وهنا يمكن القول أن التصميم «من المهد إلى المهد» يهدف إلى الحفاظ على دورات العمل التقنية والبيولوجية لكى تؤثر على صحة الإنسان والبيئة تأثيرا إيجابيا طويل الأمد، فالتخطيط حسب هذه الأسس أثبت فعاليته، ويمكن قياسه وتشغيله، في هذا الإطار فإن بناء نظم اقتصادية تستخدم مواد أمينة، صحية ومُغذية، أو مواد قابلة للتدوير دائما، يمكنها أن تثري مختلف أشكال الحياة على الأرض. وفى محاضرة ألقاها وليم ماكدونو تحدث عن مدينة جديدة يتم تصميمها للحكومة الصينية، ضمن 12مدينة ترتكز على منهج «من المهد إلى المهد». لإسكان 400 مليون شخص في 12عاماً، والنهج الذي تم اتباعه هو عمل دراسة هيدرولوجية بعناية فائقة، وتمت دراسة التركيب الحيوي، وطرق الزراعة الحالية، والرياح والشمس للتأكد من أن جميع من في المدينة سيحصلون على هواء نقي، ومياه عذبة وضوء شمس مباشر بكل شقة في كل وقت خلال اليوم، وتم وضع الحدائق العامة كبنية تحتية بيئية، وتوفير مراكز وأماكن عامة لجميع الناس ومواصلات بسيطة جدا.. الكل على بعد خمس دقائق سيرا على الأقدام من التنقل، ويظل هناك دائما مكان يزخر بالحيوية، ونظم النفايات يتم التحكم فيها.. فإذا دفقت مياه المرحاض، سوف تذهب الفضلات لمحطات معالجة مياه الصرف الصحي، ومن ثم تصبح منتجا للغاز الطبيعي، وهكذا هذه هي مصانع الأسمدة لإنتاج الغاز، تُعاد كل تلك الأسمدة إلى أسقف المبانى، حيث توجد الزراعة على الأسطح، وتصل الطاقة الشمسية لجميع مراكز المصنع، وهذه هي الصرخة الجديدة في عالمنا الجديد الذى يتحرك بقوة وصلابة، ويستخدم العلم المفيد من أجل رفاهة الإنسان، والعيش الكريم بدون مشكلات تؤرقه، ومستقبل زاهر دون فلسفة أو تعقيدات، وبدلا من تعبير «من المهد الى اللحد» يكون «من المهد الى المهد». د. حامد عبد الرحيم عيد أستاذ بعلوم القاهرة