بمجرد أن جلست إلي اللواء مجدي أيوب محافظ قنا, سألني: ما رأيك في المدينة؟ أجبته: الشكل جميل والنظافة واضحة لكن الأجمل هو التنمية ورفع مستوي معيشة الناس والعمل علي تغيير الأفكار السائدة. رد: نحن نمضي علي هذا الطريق. قلت: لكن ثمة انتقادات شرسة علي شبكة الانترنت! قالت لست في موقف المدافع عن نفسي.. ولا أحب أن أكون فيه! شخصية اللواء مجدي أيوب فيها جدية مفرطة, يبدو أنه أكتسبها من عمله ضابطا في الشرطة ما يقرب من ثلاثين سنة, يتحدث بحساب حتي لو كان ودودا.. وعنده حق فمن أول لحظة شغل فيها منصبه كان محط الأنظار المحملة بتساؤلات واستفسارات وأيضا تفسيرات سابقة التجهيز, فقد جاء خلفا لمحافظ ناجح هو عادل لبيب, له شعبية واسعة, ومازال أهل قنا يذكرونه بالخير, فما الذي يمكن أن يضيفه.. وكيف, وهو أول محافظ قبطي في محافظة شديدة التعقيد, القبلية هي مركز الكون بالنسبة لأهلها يتحركون ويأكلون ويشربون وينامون ويصحون داخلها, والقبيلة ليست مجرد أفكار معششة في العقول, وإنما هي أسلوب حياة في المعاملات والعمل.. حياة فيها قدر كبير من روح العصبية والتزمت.. والأخطر منهما الطائفية, وبالتالي هي منتجة بطبيعتها لمشكلات اجتماعية وثقافية كثيرة.. انفجر بعضها محدثا دويا هائلا تجاوز مسرحها المحدود إلي خارج حدود الوطن, مثل اشتباكات الفتنة الدينية في اسنا وفرشوط بسبب جرائم فردية تقع في أي مكان وزمان, لكن القبلية تفرض سطوتها وتحولها إلي صراعات الفتنة الطائفية! * سألته: قد لاتحب أن تكون في موقف المدافع عن نفسك, لكن هذا الضجيج يلزمه بعض الاجابات.. وتجاهل الانتقادات ليس حلا! أجابني في صرامة: لا أشعر أن شيئا جيدا كان موجودا في قنا قد تغير, النظافة والعمل والخدمات ليست بأي حال من الأحوال أقل مما كانت عليه, بل علي العكس أكملنا شغل عادل لبيب, مشروعات البنية الأساسية من محطات صرف أو مياه أو طرق وإنارة ووحدات صحية قد زادت ووصل بعضها الي القري المحرومة, نبني الآن40 وحدة سكانية في كل قرية من القري الأكثر فقرا للشباب, وهي موجودة في مركزي دشنا وأبو تشت. سكن برهة ثم استكمل كلامه: هل تصدق.. عندي قسم غسيل كلوي في قرية البراهمة أحسن من أغلب اللي عندكم في مصر عندي قوافل طبية تروح نجوع النجوع, تعالج الناس علي نفقة الدولة بقرارات تصدر في نفس اللحظة. * سألته: هل ثمة شيء مميز؟ أجاب: التنمية البشرية, خاصة في التعليم.. عندي أربع بنات وولد من أوائل الثانوية العامة لأول مرة في العامين الماضيين, والأول علي التعليم التجاري! * سألته: وما دور المحافظ في أوائل الثانوية؟ أجاب: متابعة المدارس والدراسة بانتظام ودقة هيئات تدريس كاملة العدد, أزور المدارس دون أن يعلم أي مسئول في المحافظة أنا رايح فين ولا حتي سواق عربيتي. * سألته: طيب.. ماسر حساسية بعض المسيحيين تجاهك, وفيه كلام كثير منهم علي الانترنت ضدك؟ أجاب: أنا محافظ مصري قبل أن أكون قبطيا, المواطنون عندي سواء, أوقع علي الطلبات دون أن أنظر إلي اسم صاحبها. * سألته: لكن فيه كلام عن رفضك ترميم كنائس؟ أجاب: أي طلب له إجراءات قانونية, حسب تفويض رئيس الجمهورية لنا, وهي نفس الاجراءات المتبعة في أي دور للعبادة, ولم يحدث أن رفض طلبا تتوافر له الأسباب الفعلية وأتحدي.. وأعطاني المحافظ أسماء بعض رجال الدين المسيحي وقال لي اسألهم وستعرف الحقيقة.. * سألته: لكن في أحداث فرشوط الطائفية الاخيرة نابك نصيب من القدح؟! أجاب: أحداث فرشوط استثنائية, ولايمكن اعتبارها فتنة طائفية, بسبب نوع الجريمة التي ارتكبت وفجرت الاحداث, نحن نتحدث عن غضب شديد من واقعة صعبة تمس الشرف في مجتمع صعيدي, جريمة نادرة وشاذة جدا أن تغتصب طفلة عمرها11 سنة, من شاب عمره20 سنة, في زراعات القصب نهارا جهارا, صدقني لو قلت لك إن الغضب كان عاما بين المسلمين.. والمسيحيين أيضا, لأن كل واحد أيا كانت ديانته خايف علي بنته, والغضب طال الدولة أولا, يعني أول تجمهر خرج من قرية البنت وقطعوا الطريق الزراعي الرئيسي الواصل من مصر إلي أسوان بالحجارة والإطارات المشتعلة, ورموا السيارات بالطوب, منها سيارة عابرة كان فيها قسيس, لم يصب وأصيب سائقه بكدمة خفيفة! ثم فرقهم الأمن بعد ساعات وبالقنابلالمسيلة للدموع. قلت: هذا لايفسر ماحدث من اعتداءات علي المحال والصيدليات في فرشوط. قال: النيابة أعطت الواد أربعة أيام علي ذمة التحقيقات, وفي التجديد تجمعت قبيلة البنت وأهلها أمام مركز فرشوط, تصوروا أنه موجود جوه, ح ينقلوه الي النيابة الكلية في قنا, لكن الامن عمل احتياطاته, ولما اكتشفوا عدم وجوده بعد ساعات طويلة من الانتظار, شاع بينهم غضب عشوائي, وكان الوقت وقت خروج مدارس, فانضم اليهم التلاميذ والطلبة, وحدفوا المركز بالطوب, الأمن حاول يفرقهم دون صدامات بالقنابلالمسيلة للدموع, جروا الي السوق واندس بينهم بلطجية وعاطلون, وعملوا شوية حرايق وتخريب في المحلات! * سألته: هم البلطجية والعاطلون متهمون جاهزون طول الوقت في أي حادث عنف طائفي؟! أجاب ماليش دعوة بأي حوادث أخري, لكن هذا ماحدث في فرشوط, والشرطة قبضت علي26 متهما بالمسروقات التي نهبوها من المحلات والناس تعرفت عليهم, بعض هذه المسروقات مثل الاجهزة المنزلية ضبطت داخل بيوتهم, خلاف54 متهما بأعمال شغب. * سألته: قرأنا علي شبكة الإنترنت أن قمة عملية تهجير منظمة حدثت للمسيحيين في المركز والقري المحيطة؟! أجاب: كلام فارغ.. وطبعا أي زيارة للقري تثبت كذب هذه الادعادات, لكن في قرية المتهم وهي الكوم الأحمر, عائلته سابت بيتها بعد الجريمة مباشرة حين تصاعد الغضب, وراحت عند قرايبهم في نجع حمادي, ثم من باب الاحتياط غادرت خمسة أسر القرية, ثم عادت إليها بعد أن هدأت الأمور وعادت الي طبيعتها. نسيت أن أقول لك إن عائلات مسلمة في الكوم الأحمر رفضت أن يغادرها المسيحيون مؤقتا. * سألته: لكن هناك اتهامات بالقصور في التعامل مع الاحداث؟! أجاب: كل هذه الاحداث ولم يسقط قتيل واحد, أو مصاب في حالة حرجة بين الحياة والموت, وهذا معناه أن التعامل كان سريعا وحاسما, ومن أول بلاغ بجريمة الاغتصاب, لكن الغضب كان عشوائيا فجائيا, فالجريمة صعبة جدا, ولو كان فتنة طائفية كما يقال لاخذت أعمال العنف مسارا آخر. * سألته: إذن كيف تفسر أحداث العنف في فرشوط إذا كان التعامل سريعا وحاسما؟ أجاب: ما جري في السوق كان مفاجأة بكل المقاييس, من كان يتصور أن المتجمهرين سيجرون من أمام المركز إلي السوق ويصنعون ماصنعوا, لولا دخول البلطجية والعاطلين إلي الساحة منتهزين حالة التوتر التي كان عليها الناس لانتهي الأمر بالقاء الطوب علي المركز كما حدث عند قطع الطريق الزراعي. تخيل أن مدير أمن المحافظة كان يفحص كل بلاغ بنفسه, ولما حدثت جنازة مسيحية راح برجاله يمشي فيها. * قلت: ليس معقولا أن يؤمن مدير الأمن كل جنازة بنفسه؟ أجاب: حالة استثنائية فرضتها الظروف الصعبة الجو مشحون بالغضب والكلام عن الشرف. * سألته: هذا عن الأمن وماذا فعلت أنت؟! أجاب: تحركنا علي ثلاثة محاور.. الأمني مع قيادات وزارة الداخلية, متابعة لحظة بلحظة.. فتوقفت الخسائر عند حدود الجانب المادي فقط, ولاخسائر في الأرواح, لتعود الحياة الي السوق سريعا بكل محلاته.. وعلي الجانب الاخر ذهب الموضوع برمته الي النيابة في الجريمة الأصلية أو جريمة السوق التابعة لها! والشعبي فكان ومازال مع أعضاء مجلسي الشعب والشوري والمجالس المحلية وكبار رجال القبائل والعمد والمشايخ. أما الدين.. فقد نظمت لقاءات مع رجال الدين المسيحي والدين الاسلامي شرحت فيها الواقعة كما حدثت بالضبط وبينت الظروف وطلبت منهم تهدئة النفوس الغاضبة أو الخائفة, وأن يردوا علي الشائعات الكثيرة المتداولة.. * سألته: أليست مثل تلك الاحداث دافعا علي شد عجلة التنمية أسرع من قبل, حتي ينشغل الناس بالعمل والانتاج وتحسين حياتهم بدلا من السقوط في الفراغ, والفراغ تعسعس فيه الشياطين؟ أجاب: حركة التنمية ناهضة في قري كثيرة, نبني مراكز شباب, ومدارس جديدة وعندي جهاز لتوظيف الشباب, وفتحنا استثمارات في المحاجر, وكنت في القاهرة من يومين وكلمني مستثمر لبناني عن تأسيس شركة لاستخراج الرخام من جبل قنا الغربي.. الدنيا ماشية ولم تخلق في يوم.. ودعت اللواء مجدي أيوب محافظ قنا وأنا أقول في سري, صحيح أن الدنيا لم تخلق في يوم, لكن أحداث العنف بكل أنواعه تشتعل في لحظة وهي الأسرع!