أحيانا يحدث صدام بين أى زوجين لسبب أو لآخر، فاختلاف الآراء شئ طبيعى، لكن غير الطبيعى هو أن الصدام قد يكون بسبب تافه، وبحكم قرابتك لهما تحاول إصلاح الأمور فلا تستطيع، بل قد تترتب على ذلك نتائج وخيمة على نحو ما حدث مع أختى، فأنا فتاة متزوجة حديثا، ووجدت زوجى كما عرفته لأول مرة، وتمضى حياتنا فى هدوء، لكن ما أكتبه إليك يتعلق بأختى التى تكبرنى بست سنوات، وهى متزوجة منذ فترة طويلة، وتسكن قريبا من منزل العائلة، وأنا كذلك، بمعنى أننا جيران، ومضت علاقتنا على ما يرام، والحمد لله، ويسعى أبى قدر استطاعته لإسعادنا، فنحن أربع شقيقات، وليس لنا أخ، وتربطنا ببعضنا علاقة قوية، وقد عرفنا زوج أختى الكبرى رجلا طيبا، وبمرور الوقت وجدناه عصبيا جدا، ويأتى بتصرفات غير مسئولة فى لحظات الغضب، وهى غير قادرة على احتوائه، وامتصاص ثورته التى تنتهى غالبا إلى لا شىء، فكل ما يفعله أنه يسارع إلى أبى، ويشرح له ما حدث من وجهة نظره، فيصدقه، ويأخذ صفه، ويوبّخ أختى، ولا يدع لها مجالا لإبداء رأيها، أو يقبل منها أى عذر، فزوج أختى مدلل عند أبى بدرجة تفوق الوصف، وهذا ما يدفعه إلى الإفتراء عليها فى أحيان كثيرة، وفى الفترة الأخيرة تمادى فى ظلمها، فمع كل موقف تافه يتصل بأمى، ويقول لها: «تعالوا خذوا بنتكم، وكل واحد يروح لحاله»، وسوف تستغرب عندما تعرف بعض أسباب مناوشاتهما، فمرة يقول إنها ترتدى «الكعب العالى»، ومرة أخرى يدّعى أنها «لا تسمع كلامه»، ومرة ثالثة يقول إنه خائف عليها لأنها لا تتعاطى الدواء فى موعده، ولا يصدق الكثيرون أن تكون هذه «التوافه» أسبابا للخلاف، وهو يفعل ذلك فى الوقت الذى لا يتحمّل فيه أى مسئولية، ويلقى بأعباء بيته على أبى، ثمّ يملى عليه ما يريده. عند هذا الحد كنا نتغاضى عن صنيعه، لكن الأمر زاد تعقيدا عندما حملت أختى بعد ست سنوات من الزواج، وجاءت عندنا، وتابعت الحمل لدى أستاذ كبير فى تخصصه، ولما حان وقت الولادة، أدخلها أبى مستشفى عاما مثل كل نساء العائلة، ووضعت ولدا، لكنه مات بعد أسبوع واحد، وتبين أنه يعانى عيبا فى القلب، ولم تجر له الاحتياطات اللازمة فى المستشفى فور ولادته لعدم وجود طبيب أطفال وقتها، وقد طاف أبى وأمى به على أطباء كثيرين بعد ثلاثة أيام من وضعه أملا فى إنقاذه، ولكن إرادة الله نفذت، ومات الطفل الذى رزقت به أختى بعد طول انتظار، فأثار ذلك زوجها ، فانفجر فيها، وتشاجر معها، واتهمنا بأننا السبب فى موت ابنه دون أن يسأل نفسه: أين هو من معاناة أسرتنا؟.. لقد وصل الأمر إلى تهديدها بالطلاق، وسب أمى، ومع ذلك تسامح أبى معه، حفاظا على استقرار أختى، ولكى لا يشمت فينا البعض!.. وقد دفعت الثمن من كرامتى، إذ اتصلت بى أمى ذات يوم، وقالت لى: «إذهبى إلى أختك، وجهّزى معها حقيبة ملابسها، وأجرى عربية، وتعالى إلى البيت»، وعرفت أن زوجها أهانها كعادته، وأنها ذهبت إلى حماها لإطلاعه على ما يفعله ابنه، وانهمرت أمامه فى بكاء مرير، ولما وصلت إلى بيتها، سألتها عن زوجها، فقالت: إنه موجود بالداخل، فطلبت منها أن تجهز ملابسها، وأننى سأنتظرها بالخارج منعا لأى احتكاك مع زوجها، وفى أثناء وقوفى أمام المنزل، شاهدتنى جارتان كثيرا ما تدخلتا لإصلاح الأمور بينهما، فجاءتا، وقالتا لى إنهما ستحلان المشكلة، ودخلتا البيت، وبعد دقائق سمعت صراخا وتراشقا بالألفاظ، وإذ بالجيران يتجمعون لاستطلاع ما حدث، فاضطررت لدخول الشقة، فوجدته يوبخ أختى، وهى مستسلمة تماما له، فجذبتها من ذراعها، فثار ضدنا، ودفعنا نحن الإثنتين إلى خارج الشقة، وهمّ بضربنا، وحاول الجيران إبعاده عنى، فتطاول علىّ، وضربنى، وشدنى من ذراعى، وسحلنى، وحاول دفعى على السلم، وأنا حامل فى الشهر الثالث، ولولا تدخل الجارتين وأختى لحدث لى ما لا تحمد عقباه، وبصراحة شديدة فإننى لم أتمالك نفسى، ووصفته بأنه حيوان، ورددت عليه سبابه، وذهبنا أنا وأختى إلى منزلنا، وقصصت على أبى ما حدث، وأنا أتصور أنه سيتحرك لكى يأخذ لى حقى، وللأسف استمع إلى كلامى، ولم يعلّق عليه، فحزنت كثيرا لموقفه، وفى المساء جاءنا والده، وقال لأبى: بنتك هى التى سبّت ابنى، وكعادته تغاضى أبى عن حقنا، وعادت أختى مع حماها إلى منزل زوجها! ومر أسبوعان على هذه الواقعة، ثم جاء زوج أختى إلى منزل العائلة، وقال لأمى بصوت عال كله حدّة: «مفيش حد منكم ييجى عندى البيت، لا انتى، ولا أبوها، ولا أخوتها، ولما تحب تشوفكم، تيجى تزوركم».. ولك يا سيدى أن تتخيّل هذا الواقع المرير الذى لا يصدّقه عقل.. لقد قررت مقاطعة بيت أختى مع أنها جارتى، بعد أن حدث داخلى شرخ عميق، وحزن رهيب، وإننى أتألم كثيرا كلما تذكرت مواقف زوج أختى معنا، وموقف أبى السلبى منه، ولن أستطيع أن أصل أختى بعد الآن، فهل ترانى قاطعة ل «صلة الرحم»؟، وماذا بيدى أن أفعله؟، وهل يكفى أن أراها فى بيت العائلة كلما جمعتنا زيارة إليهم؟، وكيف ترى موقف أبى من كل ما يحدث؟، وما هو التصرف التصحيح تجاه زوج أختى؟ ولكاتبة هذه الرسالة أقول: لا تستقيم العلاقة العائلية على هذا النحو الدائر بينكم وبين أختك وزوجها، فكلكم مخطئون، أبوك بسلبيته الشديدة فى علاج «المشكلات التافهة» على حد تعبيرك بينهما، وأنت بتدخلك فى أمور يجب ألا تقحمى نفسك فيها، وأمك بتركها لهما التصرف دون توجيه وإرشاد، وأختك وزوجها برعونتهما وعصبيتهما فى كل المواقف، فالحديث عن الخلافات الزوجية يتكرر فى جميع المشكلات من هذا النوع، وهناك منهج واضح لعلاجها، لكن أباك لم يحسم هذا الأمر منذ أول مشكلة خوفا من أن يشمت فيكم «المعارف»!، فأى منطق هذا الذى يفكر به؟، فالطبيعى أن يزن المشكلة ويدرس أبعادها، ولا يميل إلى كفة أحدهما على حساب الآخر، ويأخذ تعهدات على المخطئ بعدم تكرار أخطائه فى حق الآخر، فإذا وقع فيها مرة أخرى، تكون له معه وقفة جادة وحاسمة، حتى لو انتهى الأمر بالطلاق، فخير لهما أن ينفصلا من الآن، لكى يكون أمام كل منهما متسع من الوقت للتفكير فى الزواج والاستقرار مرة أخرى، وهذا هو المنهج القويم الذى شرعه الله سبحانه وتعالى، ونردد آياته كثيرا، دون أن نتدبرها، ونلتزم بها، مع أن فيها الفلاح والنجاح فى الحياة، حيث يقول تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا» (النساء 35)، وقوله: «وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا» (النساء 130) إن زيادة مساحة التفاهم بين الأزواج منذ بداية الارتباط أمر مهم، للتغلب على مصاعب الحياة، باعتبار أن حياة كل زوجين، مشاركة تجمع بين طرفين، يجب أن يتعاونا حتى تصل إلى بر الأمان، وتتجنب عواقب الأمور، فتدخل الأهل فى كل كبيرة وصغيرة يزيد المشكلات تعقيدا ولا يحلها مهما تكن النيات حسنة، والزوجة الذكية الواعية تحرص على عدم إشراك أى طرف فيما بينها وزوجها، وكذلك الزوج، كما أن احتواء خلافهما خلال يوم أو يومين من وقوع المشكلة بمبادرة من أحدهما، أقرب للمحبة والرحمة التى يتأسس عليها الزواج، فلماذا لا يكون هناك اتفاق مكتوب بقلم التفاهم على صفحة الحب ينص على أن يتنازل كل منهما عن حقه لمصلحة شريكه فى الحياة؟.. وفى الحقيقة فإننى لا أرى سببا لتدخلك فى مشكلات أختك الزوجية، فلقد أخطأت أمك بدفعك إليها لإحضارها، إذ من الطبيعى أن تحدث مشادات فى مثل هذه المواقف، فالتدخل غير المنطقي، يسبب المشكلات، وهو بالطبع تدخل لا عقلاني، ومن أبرز أسبابه أن أغلب الزوجات يفشين أسرار حياتهن الزوجية، ويتمردن على بيت الزوجية، وقد يختلقن أزمات وهمية، تؤدى إلى الطلاق. أيضا فإن الحياة لا تستمر على وتيرة واحدة، فبيت الأهل ليس كبيت الزوج، وأهل الزوج لا يكونون بالمقابل كالأهل، وتستطيع الزوجة بتدبيرها وعقلانيتها وحسن تصرفها السيطرة على جميع الأوضاع، لتتمكن من العيش بهدوء دون مشكلات، فالزوجة «الكتومة» لأسرار حياتها الزوجية هى الحريصة على إبقاء سفينة سعادة هذا الكيان بمنأى عن هزات العواصف وشروخ الزلازل، وليس هناك أفضل، ولا أجمل من أن يحل الزوجان مشكلاتهما، ويحفظا أسرارهما بينهما، فالمشكلة مهما تكن صغيرة إذا تسربت خارج بيت الزوجية تكبر، والسر إذا ذاع شاع. وبالنسبة لعلاقتك بأختك فإن المشكلة الحقيقية ليست فى أن تزوريها من باب صلة الرحم، أم لا، وإنما تكمن فى تدخلك فى حياتها، فالواضح بعد كل ما جرى أنك قد تزرعين «الوسواس» فى نفسها تجاه زوجها، والشك فى مدى محبته وإخلاصه لها، فالأخت بقدر ما تتمنى حياة مثالية لأختها، فإنها تحاول بحسن نية أن تجعل من هذا الزوج رجلا مثاليا يستطيع إسعاد أختها والتى غالبا ما تقتنع بملاحظات أختها، وهنا تبدأ المشكلات، ومن الأمور السيئة التى تقوم بها أخت الزوجة أيضا نقل أسرار الزوجية، ومشكلات البيت إلى أمها, وتتعقد الأمور عندما تشارك الحماة فى حلها، ولا يكون للزوجين هامش حرية واسع لتسيير حياتهما، وحل مشكلاتهما بعيدا عن تدخل أى طرف سواء من الأقارب أو الأصدقاء, فالطاعة العمياء التى قد تنتهجها الزوجة تجاه أختها، ربما تشجعها على الخروج عن طاعة زوجها أو التصرف بخلاف رأيه حتى تثبت مكانتها أمام أختها. وبرغم ذلك فإننى أنصح زوج أختك، وكل زوج فى حالة اصطدامه بأخت زوجة فضولية بالتعقل، وألا يتهور فى الرد على تصرفاتها أو افتعال مشكلات معها لأن ذلك سيؤدى بالضرورة إلى أزمات مع زوجته، لذا فإن كل ما على الرجل فعله هو مفاتحة زوجته فى الموضوع بهدوء وطلب تدخلها لإبعاد أختها عما تقوم به, وتؤكد لها دائما بأن زوجها يحبها بالقدر الكافى الذى يضمن لها السعادة، وأنها وإن كانت تعانى من بعض المشكلات، فإن ذلك لا يمنع من أن الاستقرار يخيم على البيت، ويجب ألا ينسى الزوج معاملة أخت زوجته بالقدر الكافى من الاحترام، وأن يجعل مسافة فاصلة بينهما، وأن يضع حدودا لهذه العلاقة, وأن يتذكر دائما بأنها أخت زوجته، ومن الأفضل الصبر عليها حتى يتجنب المواجهة معها حتى لا تحدث مشكلات تنعكس على حياته الزوجية، فليكن هذا هو المنهج فى تعاملكم، وعلى كل واحد أن يعرف دوره فى حياة الآخرين، وأن يسعى إلى التفاهم المشترك دون رعونة، فبدون هذا التفاهم لا تستقيم الحياة.