بعد شهور طويلة من دراسته للصراع الإسرائيلى الفلسطيني، زار جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكى ترامب ومستشاره للمنطقة العربية وإسرائيل والتقى زعماءها باستثناء الرئيس الفلسطينى محمود عباس. ذهب كوشنر وفى جعبته صفقة سلام لم يعلن بنودها، لكنه وصفها فى مقابلة مع صحيفة القدس الفلسطينية بأنها فرصة للفلسطينيين. الصفقة الفرصة لا تتضمن أيا من الثوابت التقليدية للمفاوضات، من حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، والاعتراف بالسيادة الفلسطينية الكاملة على الأراضى بما فى ذلك القدسالشرقية، وإنهاء الاستيطان فى الضفة الغربية. ولا تعتمد حل الدولتين، بل تتصور دولة واحدة، مع اعتراف بسلطة المسلمين على مقدساتهم فى القدس، ودرجة من الاستقلال الذاتى اقتصاديا فى الضفة الغربية، ووعود بمساعدات اقتصادية واستثمارات فى الأراضى الفلسطينية. حاول كوشنر استمالة الشباب الفلسطينى مناشدا إياهم بألا يتركوا ضغائن الأجداد تملى مستقبل الأحفاد، وأن قبولهم الصفقة بصرف النظر عن رفض زعمائهم، سيؤدى لانفراج أحوالهم المعيشية واللحاق بركب الازدهار والتقدم. وكانت مساعى كوشنر موضع تمحيص بعض المراقبين الأمريكيين الذين يفوقونه خبرة ودراية بهذا الملف. ومن أبرزهم فيليب جوردن، عضو مجلس العلاقات الخارجية، وبيرم كومار، الخبير فى شئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد عمل كلاهما فى البيت الأبيض ضمن إدارة أوباما. من وجهة نظر هذين الخبيرين فإن خطة كوشنر السرية كما كشف حديثه تدل على أمر من اثنين، إما أنه ساذج جدا وإما أنه ساخر جدا. ويفسران ذلك بجملة أسباب. فالرئيس الفلسطينى محمود عباس يرفض الوساطة الأمريكية بسبب قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية للقدس بما ينزع عن واشنطن صفة الحياد التى تؤهلها لتكون وسيطا نزيها. ويتصور كوشنر أن بالإمكان الذهاب بالصفقة مباشرة للشعب الفلسطينى استنادا إلى انخفاض شعبية عباس، لكن لايوجد ما يضمن قبول الفلسطينيين مايرفضه زعماؤهم. فقرار ترامب نقل السفارة دول الحصول فى المقابل على أى تنازلات من الجانب الإسرائيلي، ثم قطع واشنطن حصتها المالية عن منظمة الأنروا للاجئين، يجعل واشنطن فعلا غير محايدة. يرى الخبيران أن هذا التصور ليس صحيحا لأن أحدا من الزعماء العرب لن يستطيع بيع القضية الفلسطينية التى لاتزال القضية المحورية فى وجدان العرب. فى حديثه مع الصحيفة الفلسطينية لوح كوشنر بالمساعدات وفرص الاستثمارات الرهيبة فى البنية الأساسية التى تنتظر الفلسطينيين بموجب تلك الصفقة. هذه الورقة سبق التلويح بها من جانب الإدارات الأمريكية السابقة ولم تكن مجدية، فلماذا نتوقع نجاحها اليوم؟ وبالنسبة للجانب الإسرائيلى فإن حل الدولتين اليوم يبدو مرفوضا. وفى ضوء قضايا الفساد التى تطارد رئيس الوزراء الإسرائيلى وزوجته، فإن نيتانياهو فى وضع يجعله يحاول استرضاء الصقور فى حكومته لكى يحافظ على بقائه سياسيا. والمحصلة أن الجانب الإسرائيلى ليس مهيئا لصفقة سلام مع الفلسطينيين. ولأن كوشنر ليس بالسذاجة التى تجعله لايدرك كل هذه العناصر، فالخلاصة التى توصل إليها الخبيران جوردون وكومار أن هدف الصفقة هو الاستهلاك الداخلى واسترضاء الناخبين الأمريكيين المؤيدين لإسرائيل، مع إلقاء اللوم على الفلسطينيين باعتبارهم الطرف الرافض للسلام.