الصراع على المياه ليس وليد اللحظة الراهنة بين الدول سواء الدول التي تتمتع بوجود الأنهار والمحيطات أو تلك التي لا تملكها، ولخطورة الأمر تفتق ذهن المتابعين لأزمة المياه منذ القدم، على وضع اتفاقيات بين الدول المتصارعة لضمان وصول المياه إلى الشعوب ويعد بروتوكول 1891، أول بروتوكول رسمي وُقع بين دول حوض النيل بشأن تقسيم مياه نهر النيل. ووُقع هذا البروتوكول بين بريطانيا - عن مصر والسودان- اللذين كانا تحت الاحتلال البريطاني- وإيطاليا– عن إثيوبيا، التي كانت تحت الاحتلال الإيطالي- بشأن تحديد مناطق نفوذ كل من الدولتين في شرق إفريقيا. ونص على عدم إقامة إيطاليا لأي مشروعات مائية على نهر عطبرة، من شأنها أن تؤثر على كمية المياه المتدفقة إلى مصر والسودان. وفى 15 مايو 1902، خلال فترة الاحتلال البريطاني لمصر، وفي عهد الإمبراطور الإثيوبي منليك، وقعت بريطانيا اتفاقا بين مصر والسودان مع إثيوبيا. ينص على منع إقامة أى بناء على نهر النيل الأزرق وبحيرة تانا ونهر السوباط، تعوق أو تمنع تدفق المياه إلى مصر إلا بموافقة مصر والسودان. وجاءت المعاهدة الثلاثية في 4 يوليو 1906، التي وقعتها إنجلترا وفرنسا وإيطاليا مع الكونغو الديمقراطية، التي ضمنت بها بريطانياوإيطاليا وفرنسا مصالحها في دول حوض النيل. وأكدت هذه المعاهدة ما تضمنته المعاهدة السابقة في 1902، بمنع إقامة أي مبانٍ على النهر الأزرق، من شأنها منع تدفق المياه لمصر. اعترفت إيطاليا بحقوق مصر والسودان المائية في مياه نهري النيل الأزرق والأبيض. وذلك بموجب الاتفاقية التي وقعت في ديسمبر عام 1925 بين بريطانياوإيطاليا، وبموجب هذه الاتفاقية أكدت إيطاليا التزامها بالاتفاقيات السابقة، التي تحظر إقامة أي منشأة على السد، تعوق تدفق المياه إلى دولتي المصب. اتفاقية 1929 هى الاتفاقية التي بموجبها تم الاتفاق على حصة مصر في مياه النيل الأزرق، والتي قُدرت ب55.5 مليار متر مكعب سنويا، ومنحت الاتفاقية مصر حق الفيتو، في الاعتراض على أى عمل يتم إنشاؤه على النهر أو أي من روافده، كما نصت على تقديم دول حوض النيل الموقعة على الاتفاقية لجميع التسهيلات لمصر، من أجل إقامة دراسات وبحوث مائية في منطقة حوض النيل والسودان. الاتفاقيات السابق ذكرها، رفضتها دول المنابع واعتبرتها اتفاقيات استعمارية، أي أبرمت من قبل حكومات الاستعمار، التي احتلت هذه الدول، ولابد من تعديلها، ورفضت الاعتراف بحصص مصر والسودان التاريخية في مياه النيل. ولهذا توافقتا بعد استقلال كل منهما، على أن حصتهما من مياه النيل، والتي تقدر ب84 مليار متر مكعب سنوياً، 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار للسودان. وحديثا وقعت مصر واثيوبيا اتفاقية ثنائية، وقعها الرئيس مبارك مع رئيس الوزراء الإثيوبي، مليلس زيناوي، في يوليو 1993. ونصت على عدم قيام أي من الدولتين بعمل أى نشاط يتعلق بمياه النيل، قد يسبب ضرراً بمصالح الدولة الأخرى، وضرورة الحفاظ على مياه النيل وحمايتها، واحترام القوانين الدولية، والتعاون بين الدولتين بغرض إقامة مشروعات تزيد من حجم تدفق المياه وتقليل الفاقد. العلاقات بين مصر ودول حوض النيل مرت بمراحل صعود وهبوط، والتوتر الأكبر كان في أعقاب بناء السد العالي، ثم محاولات إثيوبيا تحويل مجرى النهر في عهد الرئيس السادات، ثم تحسنت العلاقات قليلاً، في عهد حسني مبارك، مع توقيع اتفاقية 1993، ولكنها عادت للتوتر من جديد في أعقاب محاولة اغتياله في أديس أبابا. وفي عام 1997 قدمت مصر "مبادرة حوض النيل" لتعظيم الاستفادة من مياه النيل، والتي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن هذه المبادرة رفضت بعض الدول التوقيع عليها، لتمسك مصر والسودان ب3 بنود رئيسية فيها، هي الاعتراف بحصة الدولتين التاريخية، والإخطار المسبق لدول المصب بأي مشروع مائي على النهر وفرعه، والبند الثالث تمثل في التزام كل دول حوض النيل باحترام قاعدة التصويت بالإجماع عند نظر تعديل أي من البنود الأساسية للاتفاقية. عام 2010 شهد قيام ست من دول حوض النيل –المنابع- بتوقيع اتفاقية عنتيبى، التى تنص على عدم الاعتراف بحصة مصر والسودان التاريخية فى مياه النهر، وتقليل حصة مصر من 55.5 مليار متر مكعب إلى 40 مليار متر مكعب سنوياً. كما نصت الاتفاقية على إلغاء بند الإخطار المسبق، عند بناء أي مشروعات على ضفاف النهر، والذي تم إقراره في اتفاقيات سابقة بين دول حوض النيل. وهكذا يستمر الصراع على مياه النيل. كل يرى أحقيته الكاملة فيها. لمزيد من مقالات فهمى السيد;