إعلاميون بالصدفة!    محافظ بني سويف يصدر حركة تنقلات وتكليفات جديدة بين رؤساء المراكز    «صحح مفاهيمك».. أوقاف البحيرة تنظّم ندوات حول خطورة التنمر بالمدارس    الإحصاء: 28 مليار دولار حجم التبادل التجاري لأهم دول شرق آسيا عام 2024    «هيئة الدواء» تبحث آليات تنفيذ مشروع الروشتة الرقمية ودمجه بالمنظومة الصحية الوطنية    هل تتأثر خدمات التحويلات عبر انستاباي بسبب التوقيت الشتوي؟    قرار جمهوري جديد للرئيس السيسي اليوم الخميس 30 أكتوبر 2025    مصر تستضيف الاجتماع الثاني للجنة رؤساء سلطات المنافسة لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية    رئيس فنزويلا: استخباراتنا أحبطت خطة ال CIA الخبيثة للهجوم على سفن أمريكية    التجارة الصينية تعلن تعليق قيود التصدير على معادن الأرض النادرة لعام واحد    السفير الفرنسي: نحتاج للتركيز على جودة المساعدات المقدمة لغزة    خروقات إسرائيلية مستمرة فى غزة.. الاحتلال يشن غارات جوية وينسف المنازل داخل القطاع.. مصدر مسؤول: وقف إطلاق النار بين الجانبين الإسرائيلى والفلسطينى لا يزال ساريًا.. مستعمرون يقتحمون ساحات الأقصى    مع خروقات قوات الاحتلال واستمرار حرب الإبادة..خبراء يحذرون من انهيار اتفاق وقف إطلاق النار    فينيسيوس يفكر في الرحيل عن الريال وسان جيرمان يدخل سباق التعاقد معه    مدحت شلبي: محمد عبد المنعم يرفض العودة إلى الأهلي ويفضل الاستمرار في أوروبا    بينيا يقارن بين سارابيا وفليك: أكثر صرامة في بناء الهجمة    ضبط 38 طن لحوم وأحشاء غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالقليوبية    ضبط سلع غذائية فاسدة ودقيق مدعم قبل بيعه في السوق السوداء بأسيوط    تأجيل أولى جلسات محاكمة التيك توكر أم مكة بتهمة بث فيديوهات خادشة    الداخلية تكشف ملابسات فيديو اصطدام قائد تروسيكل بأحد الأشخاص بكفر الشيخ    المؤبد لسمسار مواشى فى تهمة الإتجار بالمخدرات بالقناطر الخيرية    وزير الأوقاف السابق عن افتتاح المتحف الكبير: أهم حدث حضاري في القرن الحادي والعشرين    سفير روسيا بالقاهرة: المتحف المصرى الكبير هدية مصر للبشرية    «نفسي أشتمنا».. يسري نصرالله ينعى المصورين ماجد هلال وكيرلس صلاح    هالة صدقي تحتفل باقتراب افتتاح المتحف المصري: افرحوا يا مصريين بهذا الإنجاز العالمي (فيديو)    العميد ضد التبشير |قضية نظلة غنيم التى تبناها طه حسين    قصور الثقافة تحتفي بافتتاح المتحف المصري الكبير بعرض نارمر مجانا على مسرح السامر    لحظة مؤثرة لوزيرة التضامن خلال عرض صورة والدها بطل حرب أكتوبر باحتفالية الأب قدوة.. مايا مرسى تكرم الأباء الملهمين وشهيد الشهامة خالد عبد العال سائق شاحنة الوقود    هل يتنافى تنظيم النسل أو تتعارض الدعوة إليه مع التوكل على الله وضمان الرزق للخلق؟    6 نصائح لحماية طفلك من الإصابة بالأمراض المعدية في هذه الفترة    مديرة التأمين الصحى الشامل بالأقصر تتفقد خدمة الأهالى بمستشفى حورس بأرمنت.. صور    «بالزي الفرعوني وأعلام مصر» .. مدارس الإسكندرية تحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير في طابور الصباح (صور)    انخفاض الأربو، أسعار الكتاكيت والبط اليوم الخميس في بورصة الدواجن    14 % تراجعا لمشتريات المصريين من الذهب خلال الربع الثالث من العام الجاري    تأجيل النطق بالحكم في قضية رمضان صبحي إلى 27 نوفمبر    مجلس الزمالك يصرف دفعة من مستحقات الجهاز الفني    المغرب يواجه موزمبيق وديا تحضيرا لكأس أمم إفريقيا    محافظ سوهاج يوقف معدية غير مرخصة بالبلينا بعد تداول فيديو لطلاب يستخدمونها    «الصحة» تعلن إنجازات تنفيذ التوصية التنمية البشرية قبيل انطلاق مؤتمر«PHDC'25»    الداخلية تواصل حملاتها المرورية وتضبط (100) ألف مخالفة خلال 24 ساعة    هل يحق للزوج منع زوجته من العمل بعد الزواج؟.. أمين الفتوى يجيب    الزمالك في اختبار مهم أمام البنك الأهلي لاستعادة التوازن في الدوري المصري    المستشار الألماني: نرغب بتوسيع شراكتنا الوثيقة مع تركيا    استبعاد مديرة مدرسة ببنها بعد مشادة كلامية بين معلم ومعلمة وفقدان وعى الأخيرة    طريقة عمل طاجن البطاطس بالدجاج| وصفة شهية تجمع الدفء والنكهة الشرقية    توفيق عكاشة: السادات أفشل كل محاولات إشعال الحرب في السودان    الرقابة المالية تلزم شركات التأمين بضوابط لسرعة حسم شكاوى العملاء    الصحة النفسية والجسدية: علاقة لا يمكن فصلها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في محافظة قنا    ماس كهرباء وراء اندلاع حريق بمحل مفروشات في النزهة    طابور الصباح فى الشرقية يحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير.. فيديو    السجن المشدد وغرامة 10 ملايين جنيه عقوبة بيع الآثار خارج مصر    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في الشرقية    إلزام صاحب العمل بإنشاء حضانة أو تحمل تكاليفها.. أهم مكتسبات المرأة العاملة بالقانون الجديد    طريقة استخراج جواز سفر مصري 2025.. التفاصيل كاملة    نبيل فهمي: سعيد بخطة وقف إطلاق النار في غزة.. وغير متفائل بتنفيذها    بايرن ميونخ يهزم كولن في كأس ألمانيا ويحطم رقم ميلان القياسي    هل يجوز للزوجة التصدق من مال البيت دون علم زوجها؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسئلة الثقافة.. سؤال التقدم
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 06 - 2018

يبدو الفصل بين السياسى والثقافى فصلا تعسفيا، يصنعه المهرة من منظرى الإطارات الشكلية، فالشكليون فقط هم من يتعاملون مع الثقافة بوصفها منعزلة عن الواقع، والمثاليون وحدهم من يعتقدون فى فكرة الأبراج العاجية التى يجب أن يظل داخلها المثقف مشغولا بنفسه، ساعيا لخلاصه الفردي، وعلى الرغم من أهمية العزلة بوصفها ضرورة لاتساع الذات وامتلائها كما كان يردد المفكر والفيلسوف الألمانى نيتشه، إلا أنه وفى واقع مسكون بالمشكلات، تصبح العزلة ترفا، والخلاص الفردى أملا مستحيلا، ننشده ولا نناله؛ ولذا فإن فى اللحظات الفارقة من عمر الأمم تعرف الجماعات البشرية ذلك النمط من المثقفين الفاعلين، الذين يعبرون بجدارة الاستحقاق عن نموذج المثقف العضوى المنتمى إلى ناسه، والفاعل فى واقعه، هذا المثقف الذى يشير إلى قيم التقدم بوصفها الملاذ الحقيقى لمجاوزة النفق المعتم إلى أفق أكثر رحابة وإنسانية. لكن عصر الأجوبة النهائية انتهى للأبد، والروح اليقينية التى تغلف نظرة الكثيرين للعالم لم يعد لها محل فى واقع سيار ومتحول، يبدو فيه التغير سمة أصيلة، والثبات عارضا.
إن عزل البعض للثقافة عن محيطها الاجتماعى مسألة كارثية، فالجدل بين البنية التحتية زالقوى وعلاقات الإنتاج» والأخرى الفوقية «الثقافة» يظل حاضرا دوما؛ ولذا فإن تشريح المجتمع وإدراك مكوناته الداخلية، يبدو عملا أصيلا للمثقف فى سعيه لتقديم خطابه للجماهير، التى لم تعد الآن متلقيا سلبيا له، بل صارت شريكا فاعلا معه فى إنتاج المعرفة، ومن ثم ففكرة احتقار الجماهير التى نجدها أحيانا لدى بعض النخب تبدو دليلا على وعى محدود بالعالم، بل وبتطور نظرية المعرفة ذاتها، حيث لم يعد هناك ما يسمى بالنخب المعبرة عن جماهيرها، وكأن هذه الجماهير بحاجة دائما إلى من يتحدث باسمها، ويفكر لها، ويمنحها صك الوجود الفكري؛ ولذا كانت أحد أهم أسئلة الثقافة والتنوير تتصل بضرورة أن يفكر الناس بأنفسهم، وليس عبر وسيط، لأن هذا يفتح بابا من الجحيم تجد فيه حضورا متزايدا لأدوار مفتعلة لتجار الرطان، ومستغلى الدين، والراغبين فى الهيمنة. فمعنى أن يفكر المرء بنفسه يعنى أن يكون موجودا باختصار.
وفى خضم تلك اللحظات الهاربة من عمر التاريخ، والتى ألجأ العقل العربى نفسه فيها إلى متون الكتب الصفراء، وحضن الماضى البعيد، المنفصل عن الراهن، والمخاصم له فى وقت واحد، ستكون أسئلة الثقافة متصلة بأسئلة الخروج من الكهف المظلم، هذا الخروج بمعناه المجازى والواقعى أيضا، حيث يجب أن يغادر الوعى العربى أفق الماضى بمظاهره وأفكاره، ليس لأنها خرجت من رحمها فحسب كل الرؤى الظلامية التى ندفع جميعنا أثمانا باهظة لها يوميا، بل ويدفع العالم جميعه ثمنا متواترا من دماء الأبرياء الذين تقتلهم التصورات الرجعية قبل أن يقتلهم الرصاص، ولكن أيضا لأن ثمة حاجة حقيقية إلى بناء مغاير للإنسان فى هذه المنطقة الجغرافية من العالم، فالوقوع فى أسر التفكير الخرافى ومصادرة التفكير العلمي، يشكل كارثة حقيقية، تجعل من هذه البلدان تابعا مستمرا، يرفض الآخر ويخضع له فى آن.
إن التجارب التى مرت بها الأمة المصرية والعالم العربى فى السنوات الأخيرة بفعل الثورات التى حدثت، والتغيرات الدراماتيكية التى شهدتها المنطقة، جعلتنا أمام حالة من الاستقطابات السياسية والفكرية التى يكتشف المرء من خلالها كل صباح أن إدراك قيم مثل الديمقراطية وحرية الرأى والتعبير، وحق الاختلاف يحتاج إلى إدراك نفسي، ومعرفي، مثلما يحتاج إلى رشد فكري.
ومن تجديد الذهنية العربية يمكننا أن نبدأ، ومن صياغة الوجدان العام على نحو متعدد لا أحادي، ومن تقبل الآخر والاعتقاد بأهميته للأنا، بوصفه وجها آخر لها، ومن تغليب قيم التسامح يمكننا أيضا أن نواجه مأساتنا، ولعل مفردة التسامح التى لا تجد حضورا فى واقع مثقل بالمشكلات، وتبدو غريبة عنه، تعد مفتاحا أصيلا للتكريس للجمال فى مواجهة القبح، ولا تنفصل قيم الاستنارة عن معنى التسامح، فاستيعاب المختلفين ومواجهة الأفكار بالأفكار، والتخلى عن الاعتقاد بامتلاك الحقيقة، مسائل جوهرية فى الدفاع عن العقلانية جوهر التنوير ومراده.
وبعد.. كان الكاتب المسرحى الشهير هنريك إبسن يعلن دائما أن علينا ان نطرح الأسئلة بدلا من أن نقدم الحلول والإجابات الجاهزة، ولذا فإن السؤال دائما عين الجواب ومقدمته أيضا، ولا شك أننا لم نزل بحاجة كبيرة إلى مساحات أوسع من التأمل الفكرى للعالم والأشياء، من مطاردة سلاح التكفير عبر التفكير النقدي، وإعطاء مساحات للأسئلة المتصلة بالواقع لا الخرافة. هنا وعبر هذا الفهم يمكننا أن نصنع وعيا ممكنا باللحظة، وقدرة عقلانية على استشراف ما يليها، متجهين صوب مستقبل يستحقه الإنسان، هذا الكائن الفريد فى ضعفه وقوته معا.
لمزيد من مقالات ◀ د.يسرى عبدالله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.