كان اللقاء الأخير بين مجموعة السبع الكبار فى شارليفوا بكندا ومادار به من مناوشات، كاشفا لما آل إليه تحالف العالم الغربى الرأسمالي. فالرئيس الأمريكى الذى غادر القمة مبكرا لحضور قمة أخرى فى سنغافورة مع رئيس كوريا الشمالية، رفض تخفيف التعريفة الجمركية التى قررها على صادرات دول أعضاء فى هذه المجموعة، ثم هاجم مضيفه، رئيس وزراء كندا واصفا إياه بالضعف وعدم الأمانة. وكانت مجموعة السبع الكبار قد نشأت فى أعقاب أزمة البترول عام 1973 كتحالف اقتصادى للنظم الديمقراطية الكبري، وكأداة للتنسيق فيما بينها ولضمان ازدهار الرأسمالية الغربية. تصرفات الرئيس ترامب، الذى لايخفى اعتقاده بأن الحلفاء الغربيين يستغلون أمريكا اقتصاديا، بل ويسرقونها من خلال معاملات تجارية غير منصفة، تبدو بالتأكيد غير مسبوقة وبعيدة عن أى أعراف دبلوماسية. لكن السبعة الكبار ليست التحالف الغربى الوحيد الذى يهاجمه ترامب. فقد سبق وهاجم الناتو، حلف شمال الأطلنطى الذى نشأ عام 1947 لحماية العالم الغربى من خطر المد الشيوعي. ومن وجهة نظره فالناتو لايبدو مجديا، لأن تكلفته تفوق منافعه. ثم هناك منظمة التجارة العالمية التى قرر ترامب إدارة علاقات أمريكا التجارية بعيدا عن أعرافها وتعهداتها، بل على أساس ثنائي. كل هذه السوابق دفعت بالبعض للتساؤل حول ما إذا كان ترامب يقوض دعائم النظام العالمى الذى ظهر فى أعقاب الحرب العالمية الثانية واستمر على مدى الخمسة والسبعين عاما الماضية. ومن وجهة نظر فيكتور ديفيز هانسون، كبير باحثين بمؤسسة هوفر بجامعة ستانفورد والذى صدر له حديثا كتابا بعنوان حروب العالم الثاني، فإن هذا النظام انتهت صلاحيته بتغير الظروف التى أدت إلى نشأته فى المقام الأول. يسوق هانسون عدة نماذج منها تركيا، فخلال العقد الماضى سعى رجب طيب أردوغان بدأب لتقويض أسس المجتمع العلمانى وصارت تركيا العثمانية الجديدة مؤيدة للحركات الإسلامية المتطرفة وتتصرف بعدوانية تجاه مصالح أمريكا فى الشرق الأوسط، فلماذا تظل تركيا محسوبة على الناتو؟. وبالنسبة للصين، فشل الرهان على أن تحسن وضع الطبقة المتوسطة سيكون مقدمة لتحول الصين إلى نظام ديمقراطي. يقول هانسون إن الصين فى الواقع تمادت فى الغش على مستوى التجارة العالمية، وسعت لتعظيم قوتها الاقتصادية من أجل خلق نموذج امبراطورية استعمارية، وبالتالى فإن سياسات واشنطن المسترضية لبكين خلال العقود الماضية ليست مجدية. وتغير الوضع أيضا بالنسبة لأوروبا الحليف التقليدى لأمريكا، فالنظم الديمقرطية الاشتراكية ونزعات التعدد الثقافى التى تسود أوروبا من المحيط الأطلنطى إلى حدود روسيا لم تسهم فى الاستقرار بقدر ما أثارت الفوضي. ومع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى لتفادى خطر الحدود المفتوحة أمام موجات الهجرة غير الشرعية والضائقة المالية، تبقى ألمانيا متشبثة بنموذج الناتو وبنظام التجارة الحرة فى صورتهما الأصلية دون تعديلات تواكب الحاضر. وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، يرى الباحث الأمريكى أن القضية الفلسطينية بعد خمسة وسبعين عاما صارت جامدة، فملايين المهاجرين الفلسطينيين لايعتبرونا لاجئين، ومعاناة الفلسطينيين فى الداخل ليست كافية لصياغة أجندة وطنية. وصارت الدول العربية المجاورة تخشى إيران أكثر من خشيتها إسرائيل، وتغير إدراكها للواقع بحيث صار النزاع اليوم فى الشرق الأوسط بين إيران وإسرائيل والمواجهة بين السنة والشيعة. كل هذه التغيرات، من وجهة نظر الباحث الأمريكي، تتطلب نظاما عالميا جديدا. ربما يكون الرئيس ترامب قد ألقى بحجر على النظام العالمي، لكنه ليس مسئولا عن انهياره، لأن هذا النظام صار هشا، منتهى الصلاحية.