يقترب عصام الحضرى من كتابة التاريخ فى مونديال روسيا 2018. وهو الحلم الذى سعى لتحقيقه طوال مسيرته الكروية ، بل أنه سيكون أكبر لاعب يشارك فى نهائيات كأس العالم عبر تاريخها الطويل. وقد تمكن الحضرى من تحقيق حلمه بعد رحلة طويلة شهدت الكثير من الأحداث الدرامية بالنسبة للاعب الذى يلقب ب»السد العالى»، على اسم السد المائى الشهير على نهر النيل فى جنوب مصر. ولد الحضرى فى يناير عام 1973 فى بلدة صغيرة تدعى «كفر البطيخ» بالقرب من ساحل مصر على البحر الأبيض المتوسط. ورغم أن اسمها يرتبط بفاكهة البطيخ، تشتهر هذه القرية بإنتاج الأثاث الخشبى، وكان والد عصام الحضرى حرفياً يمتلك ورشة صغيرة فى هذا المجال. وجه والد الحضرى إنذارا شديد اللهجة لابنه الصغير آنذاك قائلا له: «إما أن تعمل بجد فى المدرسة أو أن تعمل بجد فى صناعة الأثاث». فكر الطفل الصغير فى كلا الخيارين، لكنه تجاهلهما واتجه لكرة القدم بدلا من ذلك.لكن كان يتعين على الحضرى أن يفعل ذلك سرا خوفا من غضب والده، ولذا كان يأخذ كتبه المدرسية ويذهب للعب كرة القدم بينما كان والده يعتقد أنه يذهب إلى المدرسة. وبعد انتهاء المباريات، كان الحضرى يغسل ملابسه المتسخة فى نهر قريب حتى لا يُكتشف أمره ويعرف والده أنه كان يلعب الكرة ولم يذهب إلى المدرسة. انضم الحضرى إلى فريق قريته فى كفر البطيخ، قبل أن ينضم إلى نادى دمياط الذى يلعب فى دورى الدرجة الثانية فى مصر وهو فى السابعة عشرة من عمره. لعب الحضرى فى أكاديمية الناشئين بنادى دمياط لمدة موسم قبل أن يتحلى بالشجاعة اللازمة لكى يخبر والده بمسيرته الجديدة. وفى كل يوم كان الحضرى يركض مسافة سبعة كيلومترات من منزله إلى ملعب التدريب إلى جانب صديق له كان يقطع معه هذه المسافة الطويلة مستقلا دراجته.يتميز الحضرى ببنيته الجسدية القوية ويصل طوله إلى 1.88 متر، ويعزو الحارس العملاق قوته وعدم شعوره بالخوف إلى نشأته فى بيئة متواضعة. وقبل انضمامه لنادى دمياط لم يكن الحضرى يرتدى قفازات حارس المرمى، وفى يومه الأول فى النادى تسلم قفازين. وفى يومه الثانى ظهر من دون القفازين وطلب اللعب بيديه العاريتين كما كان يفعل دائما، وهو الأمر الذى ساعده على تحمل الكدمات والآلام التى يعانى منها حراس المرمى المحترفون. شارك الحضرى فى أول مباراة له مع نادى دمياط عام 1993 وهو فى العشرين من عمره، وقدم موسما رائعا تلقى بفضله استدعاء من المنتخب المصرى الأول، رغم أنه كان الخيار الخامس فى قائمة حراس مرمى الفراعنة. لم يكن الحضرى يمتلك سيارة آنذاك، ولذلك قام أحد الجيران بتوصيله إلى معسكر تدريب المنتخب الوطنى بسيارة من طراز بيجو تعود لعام 1970.وفى نهاية موسمه الثانى مع دمياط لم يكن يتبقى فى عقده مع النادى سوى عام واحد فقط، ووقع سرا على عقد للانضمام إلى النادى الأهلى المصرى. وبحلول هذا الوقت، أبدى عدد من الفرق اهتماماً كبيرا بالحصول على خدماته واضطر الحضرى للتظاهر بأنه ما زال يبحث عن فريق جديد حتى انتهى الموسم وأصبح حرا فى اتخاذ الخطوة المتفق عليها. قضى الحضرى 12 عاما فى صفوف النادى الأهلى وأصبح أحد أفضل اللاعبين فى هذا النادى العريق وفى صفوف المنتخب المصرى. يتميز الحضرى بشخصيته القوية وتوجيهه للاعبى فريقه خلال المباريات وقدرته على بث الخوف فى نفوس لاعبى الفرق المنافسة. وتمكن الحضرى من التصدى للكثير من الهجمات الخطيرة للغاية من قبل المهاجم الإيفوارى ديديه دروغبا فى كأس الأمم الأفريقية، للدرجة التى جعلت النجم الإيفوارى يصفه بأنه أكثر منافس يسبب له المشاكل والإزعاج.ويشتهر الحضرى فى مصر بالاحتفال بالانتصارات الكبيرة وهو يأكل البطيخ، تكريماً لمسقط رأسه «كفر البطيخ»، والرقص على عارضة المرمى، كما يتغنى له الجمهور بعبارة «ارقص يا حضرى». وقد حدث ذلك فى المباراة النهائية لكأس السوبر الأفريقى مع النادى الأهلى أمام كايزر تشيفز الجنوب أفريقى، وهى المباراة التى انتهت بفوز النادى الأهلى بأربعة أهداف مقابل هدف وحيد وسجل خلالها الحضرى الهدف الثالث من ركلة حرة مباشرة من منتصف ملعب فريقه. (أحرز الحضرى هدفا آخر من ضربة جزاء لصالح فريقه التعاون السعودى فى مرمى نادى الاتفاق فى الوقت المحتسب بدلا من الضائع الموسم الماضي).وفى عام 2008، ترك الحضرى النادى الأهلى بشكل مثير للجدل لينضم لنادى سيون السويسرى. اتخذ الحضرى هذه الخطوة دون أن يخطر مسؤولى الأهلى رغم أنه كان مرتبطا مع النادى بعقد. تقدم الأهلى بشكوى رسمية إلى الاتحاد الدولى لكرة القدم (الفيفا)، الذى عاقب الحضرى بالإيقاف لمدة أربعة أشهر. تعلم الحضرى من هذا الخطأ، فعندما حاول نادى هال سيتى الإنجليزى الحصول على خدماته عام 2011 رفض نادى المريخ السودانى الذى كان يلعب له آنذاك هذا العرض، وواصل الحضرى اللعب فى أفريقيا ولكن على مضض.شارك الحضرى للمرة الأولى فى صفوف المنتخب المصرى فى عام 1996. أى قبل 10 أشهر من ميلاد رمضان صبحى، 21 عاما، الذى يعد أصغر لاعب فى تشكيلة المنتخب المصرى المشاركة فى كأس العالم بروسيا. ومنذ ذلك الحين، أصبح الحضرى هو الحارس الأساسى للمنتخب المصرى وشارك فى أكثر من 150 مباراة دولية، وحصل على لقب كأس الأمم الأفريقية مع الفراعنة أربع مرات، كما حصل على لقب أفضل حارس مرمى فى البطولة ثلاث مرات.وبالنسبة للمنتخب المصرى، يعد الحضرى هو آخر لاعب فى الجيل الذهبى الذى فاز بكأس الأمم الأفريقية ثلاث مرات متتالية أعوام 2006 و2008 و2010. ورغم أنه يقترب من نهاية مسيرته الكروية، ما زال الحضرى يمنح الطمأنينة لخط دفاع المنتخب المصرى عندما يحرس عرين الفراعنة، كما يُنظر إليه فى مصر على أنه بطل قومى بفضل تألقه اللافت فى المناسبات الكبرى. وستكون بطولة كأس العالم بروسيا هى الاختبار الأعظم والانتصار الأكبر بالنسبة للحضرى، مهما كانت النتائج التى يحققها المنتخب المصرى. يقول الحضري: «هذه رسالة إلى جميع لاعبى كرة القدم وغيرهم فى جميع أنحاء العالم مفادها أنه يجب عليك أن تؤمن بأحلامك وتقاتل من أجل تحقيقها على أرض الواقع».