مما لا شك فيه أن سيناء ظلت علي مدي التاريخ المصري هي مصدر التهديد للأمن القومي المصري, ومن ثم فإن الاتفاق علي أن أمن سيناء خط أحمر يجب عدم التسامح معه أمر مفروغ منه. إلا أن ذلك لم يكن كذلك منذ استعادة سيناء, فبالرغم من المشروعات القليلة هنا وهناك فإن سيناء لم يتم التعامل معها باعتبارها القضية الوطنية الأولي علي جدول أولويات الحكومات المتعاقبة. والآن وبعد حادث الغدر الأخير, والحديث عن مخاطر تعرض المجري الملاحي في قناة السويس لعمليات إرهابية فإن ذلك يدق ناقوس الخطر مرة أخري للتنبه لمصادر الخطر, وهي قادمة من سيناء!. وأغلب الظن أن الأيادي الخبيثة التي تريد العبث بالأمن القومي المصري لن تجد مكانا أنسب من سيناء, ولو ظلت سيناء أغنية يشدو بها المصريون في المناسبات فقط فانها ستبقي علي حالها مصدرا للتوترات والعمليات الارهابية. ومن هنا فان الأمن يعد مدخلا مناسبا للتعامل المبدئي مع سيناء, كما أن تجفيف منابع الارهاب في شبه الجزيرة هو بلا شك خطوة مطلوبة. الا أنها تظل مجرد خطوة صغيرة علي أهميتها, فالمطلوب أكبر وأعمق من ذلك بكثير. فلم يعد مقبولا تصفية الارهابيين, أو تحييد الخطر الارهابي بل استئصال جذور الارهاب, والتوسع في مفهوم الأمن ليشمل الأمن بمفهومه الواسع والشامل والذي أبرزه: تحقيق تنمية شاملة وعاجلة وسريعة, واستعادة روح الانتماء بخطوات عملية ملموسة وليس عن طريق التغني بحب الوطن فقط, وانهاء المظالم الحقيقية والمتوهمة لأبناء سيناء, واعادة ربط سيناء بالوادي بأكثر عدد ممكن من وسائل الارتباط, واستغلال خيرات سيناء من خلال شركات عملاقة يتم تأسيسها بمساهمات المصريين مثلما جري تأسيس بنك مصر علي يد طلعت حرب. ويبقي أن النخبة المصرية عليها أن تتواصل دوما مع سيناء وينبغي ألا يذهب القادة إلي هناك إما للاستجمام أو لمتابعة سير عمليات مقاومة الارهاب. بل يجب أن يذهب الجميع وخاصة القادة إلي هناك دوريا وبانتظام لمتابعة تعمير سيناء وإقامة المشروعات. فهذه هي السياسة الوحيدة الكفيلة بتحقيق الأمن الحقيقي فيها.