العمليات العسكرية الواسعة التي تقوم بها القوات المسلحة داخل سيناء إذا كانت في ظاهرها تحمل معني الثأر لشهدائنا من الجنود والضباط الذين راحوا مؤخراً ضحية الارهاب الأعمي أياً كان مصدره، فإنها تحمل في باطنها سبباً آخر أشد معني وأعمق مغزي قد لا يخطر علي بال أحد.. هذا السبب الخفي هو عبارة عن اجراء استراتيجي مهم للرد علي كل من تسول له نفسه أن مصر بلد «رخو» يمكن النيل منها.. كما أن هذا الاجراء الاستراتيجي، يهدف إلي ان الجيش المصري مازال بعافيته وقوته وتماسكه، وله انياب يكشر عنها وقتما تقتضي الحاجة إلي ذلك. وإذا كانت القوات المسلحة قد نجحت في القضاء علي معظم البؤر الارهابية والاجرامية في شبه جزيرة سيناء، فإنها في المقام الاول حققت نجاحاً من وجهة نظري أشد وطأة علي اعداء مصر من الصهيونية، وهو تنفيذ الاجراء الاستراتيجي الذي اعنيه، وهذا ما جعل اسرائيل تصاب حالياً بخيبة أمل وترتبك حساباتها.. وعلي الرغم من ابداء تل ابيب ترحيبها بما تقوم به مصر من القضاء علي بؤر الارهاب في سيناء، إلا أنها تبدي مخاوف اكيدة من قيام الادارة المصرية الجديدة بعد ثورة 25 يناير، بالمطالبة بتعديل اتفاقية السلام.. وقد عبرت اصوات من داخل اسرائيل صراحة عن ذلك مؤخراً، فهذا المحلل السياسي الإسرائيلي امير بحبوت يقول: إن الرئيس السابق حسني مبارك كان يخشي علي مدار سنوات طويلة من حكمه مما قام به الجيش المصري حالياً باستئصال الارهاب من سيناء وضربه بيد من حديد طبقاً لما ورد علي موقع «ولاه» الاسرائيلي. وأضاف المحلل الاسرائيلي في مقاله المنشور علي الموقع السابق ذكره، أن اسرائيل تشعر بالقلق الشديد والحيرة والتخبط، ولا تستطيع ان تحدد إذا كانت هذه العمليات تأتي في اطار الثأر من شهداء رفح أم أن هذه العمليات بهدف آخر.. وهو هنا يقصد الخيار الاستراتيجي المصري الذي حددته في أول هذا الرأي، لقد اقلقت اسرائيل الحشود العسكرية المصرية التي بدأت عملياتها في سيناء وفي نفس الوقت لا تستطيع أن تعلن صراحة عن هذه المخاوف، فطالما هي - أعني اسرائيل - قد اشتكت مراراً وتكراراً من وجود عناصر ارهابية في سيناء، وكانت تتخذ من ذلك ذريعة في قرع طبول الحرب ضدها. قيام مصر بهذه الخطوة اربك حسابات اسرائيل كلها، وفي حقيقة الامر فإن تل أبيب قد تخيب أملها في القضاء علي البؤر الارهابية، فطالما قد تغنت عليها كثيراً، وكانت هذه البؤر الارهابية بمثابة «البالون» الذي كانت تنفخ فيه بهدف الترويع والتطاول في القول والجنوح في الرأي والفكر.. لكن اسرائيل لا تريد سيناء نظيفة من الارهابيين والخونة والعملاء، فهؤلاء هم سلاحها في كل المصائب.. اسرائيل لا تريد لسيناء ان تظل منطقة آمنة ومستقرة، بل تريدها خراباً وناراً مشتعلاً، تستخدم هؤلاء الارهابيين فيها، بالتطاول مرة في قرع طبول الحرب ضدهم، واخري فزاعة لارتكاب الحماقات وما أكثر ما تفعله اسرائيل من «حماقات» فهذا الكيان قائم في الاساس للقيام بالحماقات وخرق الاتفاقيات وضرب كل ما هو «صح» عرض الحائط. ويبقي الامر امام اسرائيل انها اصبحت مهيأة تماماً لان تقبل بشروط مصر القادمة في تعديل اتفاقية السلام، واعتقد أن هذه الخطوة ستطلبها القاهرة بعد انتهاء العمليات العسكرية والقضاء تماماً علي البؤر الارهابية في سيناء.. ولا أكون مغالياً في الرأي لو قلت إن مصر قد نجحت بجدارة في هذه المهمة بعد الثورة.. فأهم حدث هو ان مصر تثبت لاعدائها والعالم اجمع ان لها انياباً تستخدمها عندما تقتضي الحاجة لذلك.. وهذه الانياب هي التي تحمي الديمقراطية والتحول السياسي الذي بدأته البلاد، فالدولة المدنية الديمقراطية الحديثة تحتاج إلي هذه الانياب لبدء عمليات البناء الجديدة.