* تقرير رسمى : القاهرة «وحدها» تهدر يوميًا مليون متر مكعب من المياه * انخفاض معدل الاستهلاك فى بعض أحياء العاصمة بنسبة 20% إلى 30% بعد تحرير «محاضر بيئة» للمخالفين * الشريعة الإسلامية تنهى عن الإسراف فى المأكل والمشرب والملبس وليس الماء فقط * خبراء: دور مهم للإعلام والدورات التثقيفية بالمدارس ودور العبادة والجهات الحكومية * الإعلام وحده لا يصنع المستحيل ولابد من إجراءات ملموسة ومجموعة من السياسات * وكيل زراعة النواب : يجب تطبيق الغرامات على غسل السيارات ورش المياه فى الشارع وعلى ملاعب الجولف والمنتجعات السياحية والأندية بدون توعية للمواطنين ومشاركتهم فى ترشيد استخدام المياه وتغيير ثقافتهم وعاداتهم فى ظل الظروف الحالية التى تؤثر على حصة مصر من مياه النيل، لن تفلح العقوبات القانونية وحدها، وحملات الشرطة والأجهزة المختصة لفرض سلوكيات ترشيد المياه وتوقيع عقوبات صارمة تصل إلى 20 ألف جنيه على كل من يتم ضبطه يرش المياه أو يغسل سيارة فى الشارع، ولن تفلح أى قوانين وتشريعات وعقوبات رادعة تضمنها قانون الزراعة الجديد للحد من الإسراف فى مياه الري، أهمها حظر زراعة محاصيل معينة فى مناطق محددة التى قد تكون شرهة للمياه، خاصة بعد أن حذر الخبراء من أننا اقتربنا من مرحلة «الشح المائى» ولا مفر من ترشيد المياه. الغريب أن السواد الأعظم من الناس ليس لديهم علم بالقانون الجديد، ولا يعرف سكان العاصمة مثلا أن هناك غرامات فرضتها محافظة القاهرة لمن يتم ضبطه يسرف فى المياه. السطور التالية تكشف عن وجوب الوعى والمعرفة للمواطن وإشراك المجتمع فى جهود الخروج من الأزمة، فالتوعية يجب أن تسبق تطبيق أى قانون. فى البداية يقول الشيخ أحمد تميم المراغى من علماء الأوقاف إن شريعتنا الإسلامية السمحة تنهى عن اسراف فى كل شىء فى المأكل والمشرب والملبس وليس فى الماء فقط، مشددًا على وجوب عدم اسراف حتى لو كان انسانا يتوضأ على نهرٍ جارٍ، كما أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بعدم الإسراف فى كتابه العزيز فى أكثر من أية كقوله تعالى فى سورة الأعراف «يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين» وقوله تعالى «إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين»، ويجب عدم التبذير حتى لو لم تكن هناك أزمة فى المياه، ومن الضرورى توعية الناس بأهمية عدم التبذير والحفاظ على المياه لقوله تعالى «وجعلنا من الماء كل شيء حي» ويجب أن تتضافر جهود كل المؤسسات للتوعية فى الإعلام والمساجد والكنائس والمدارس فهى مسئولية متكاملة وليست فردية. ويؤكد الدكتور محمد شومان عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية أهمية دور الإعلام والإعلان فى قضية ترشيد المياه، ففى السبعينيات كان هناك إعلان شهير بعنوان «الست سنية» ارتبط فى أذهان الناس بالرسوم المتحركة للمياه المتسربة من «الحنفية»، وعلى الرغم من أهمية اعلام وحملات التوعية الإعلانية فى المرحلة المقبلة، لكن اعلام وحده لا يصنع المستحيل ولا يمكن أن يغير الواقع بمفرده ولابد من إجراءات ملموسة ومجموعة من السياسات يجب أن تتخذها الحكومة على أرض الواقع وتسير بالتوازى وتسهم فى تحفيز قضية الترشيد، كتقديم مجموعة من المغريات للمزارعين للتحويل من الرى بالغمر إلى الرى بالتنقيط، وهذا موضوع تأخرنا فيه كثيرًا ويجب البدء فيه فورًا، مشيدًا باتجاه الدولة فى استخدام الصوبات الزراعية. وهناك ضرورة لتكثيف وتنويع الحملات الإعلانية واستخدام جميع وسائل اعلام كى لا يشعر الجمهور بالملل، بالاضافة إلى عمل بحوث لقياس ردود أفعال الناس للتعرف على رجع الصدي. * على أرض الواقع وفى جولة لرصد سلوكيات المواطنين فى استهلاك المياه ومدى معرفتهم بالقانون الجديد وقرار المحافظة التقت «تحقيقات الأهرام» عددا من أصحاب الكافيهات والمحال وبعض المواطنين. سألنا محمد حسن - صاحب محل عصير - عن ترشيده فى استخدام المياه، وإن كان على علم بالغرامات التى طبقتها المحافظة أم لا، أجاب : قللت استخدامى للمياه ليس بسبب الغرامات، لأننى لا أعرف شيئًا عنها..وعندما نظرت إلى «الحوض» أمامه والذى «يرص» عليه اكواب والمزود بعدد من الصنابير الصغيرة المفتوحة دائمًا، ظهر الإحراج على ملامحه وإن أخفاه بابتسامة قائلًا : سوف أغلقها . وأمام أحد الكافيهات الذى كان مكتظًا بالرواد والطلبات الكثيرة، وكان المدير جالسًا فى ركن من أركانه، وعند سؤاله عن خطتهم فى ترشيد استهلاك المياه تبدلت ملامحه ورد باستنكار شديد : ما اسراف فيما نستخدمه من المياه؟ فطبيعة عملنا تتطلب استخدام مياه بكثرة ونسدد الفواتير كاملة، متسائلا : هل وجدت صنبورًا مفتوحًا دون داع؟ مؤكدًا أنه ليس لديه دراية بقوانين وغرامات تفرضها المحافظة والحي. وعند المرور أمام أحد العقارات كان حارس العقار يمسك بخرطوم مياه يرش الشارع، وعندما قلت له: هذه كمية مياه كبيرة مهدرة ولو تم ضبطك من الحى فسيتحتم عليك دفع غرامة كبيرة فقال : «الجو ساخن جدا والرطوبة عالية يا أستاذة». * خطوات فعلية ويقول الدكتور صابر محمود الأستاذ بمعهد بحوث الأراضى للمياه والبيئة، إن وزارة الزراعة بدأت اتخاذ خطوات فعلية فى قضية ترشيد المياه، وقضينا شهورًا فى إجراء أبحاث لابتكار بدائل للمحاصيل الشرهة للمياه لترشيد استخدام المياه فى الزراعة، والقانون الجديد حدد المساحات لمحاصيل معينة قد تكون شرهة للمياه كارز والقصب وتوصلنا لبعض البدائل منها زراعة «الأرز الجاف» وهو مثل الذرة فى احتياجه للري كل 9 أو 10 أيام، والمحاصيل التى تتحمل الجفاف وقصيرة العمر، كل هذه البدائل ستقلل الهادر من المياه حوالى 400 متر مكعب للفدان، ويمكن تطبيقها على 8 ملايين فدان، ويمكن استخدام تسوية المياه بالليزر والتي تساعد على استواء الأرض فلا تتجمع المياه فيها، كما يمكن استخدام طرق الرى بالرش والتنقيط والذي تصل نسبة كفاءته إلى 90% مقارنة بالرى بالغمر والذى لا تتجاوز نسبة كفاءته 60%، كما أن عودة استخدام التسميد العضوى ضرورية لأنه يحتفظ بالمياه فى الإرض مما يساعد على اتساع الفترات بين «الريات «وخاصة فى اراضى الصحراوية، فضلًا عن بدء استخدام طرق الزراعة على مصاطب بدلًا من الزراعة على خطوط مما يساعد على تقليل المجرى وكمية المياه فيه مع استخدام بعض اللقاحات البكتيرية. * تحفيز المزارعين وتابع أن بعض الجهات اتخذت إجراءات تحفيزية للمزارعين، كما حدث فى وادى النقرة بأسوان، حيث تم تغيير نظام الرى من الغمر إلى الرش أو التنقيط ومنحهم لوحات شمسية مجانية، وفى الوادى الجديد قدمت وزارة الري بعض الإعانات للمزارعين، والأهم من كل الخطوات السابقة توعية المواطن أولًا وتعريفه بالقانون وأنه فى حال المخالفة ستقع عليه العقوبة، وهنا يبرز دور اعلام وعمل دورات تثقيفية فى المدارس ودور العبادة والهيئات الحكومية، ويجرى عمل دورات تثقيفية للمزارعين قبل صدور القانون الجديد .. خاصة أن 75% من المياه يستخدم فى الزراعة، واستجاب عدد كبير منهم وخاصة فى ظل ارتفاع سعر المتر المكعب للمياه والخوف من ارتفاع قيمة فاتورة المياه، وهذا العام بدأوا تخفيض المساحات المزروعة من الأرز فى الوجه البحرى فمثلًا فى محافظة الدقهلية خفضت المزروع من الأرز من 300 ألف فدان إلى 82 ألفا. * المشاركة المجتمعية لم يختلف رأى الدكتور أحمد فوزى الخبير الدولى للمياه عن رأى سابقه حول أهمية التوعية أولًا لتصحيح الأفكار الموروثة بأن «مياه النيل لا تنضب» فى حين أن لدينا أزمة حقيقية تزداد صعوبة مع الوقت، ويرى أن المشاركة المجتمعية واجبة ولابد من تغيير سلوك المواطن، وتساءل: ما فائدة القوانين بدون توعية؟ فمن الضرورى تضافر جهود أجهزة الدولة المتمثلة فى اعلام والتعليم ودور العبادة، والمجتمع اهلى الممثل فى الجمعيات الأهلية، ولكى نسير فى خطوات صحيحة فى تطبيق نصوص القانون الجديد يجب تفعيل «الضبطية القضائية»للجهات التى تتعامل مع قضية المياه كى لا نعطى فرصة لتلاعب المخالفين، ويجب طمأنة المواطن بأن كل الاجراءات نابعة من الخوف عليه وعلى مصالحه وعلى مستقبل أولاده. * دون استثناءات أما النائب رائف تمراز وكيل لجنة الزراعة بمجلس النواب ومؤسس نقابة الفلاحين العامة فيري أن تطبيق القانون على الجميع دون استثناءات هو بداية الحل، فليس من المنطقى تطبيق غرامات على من يغسل سيارته ويرش مياها فى الشارع، فى حين أن ملاعب الجولف والمنتجعات السياحية والنوادى الموجودة على ضفاف النيل تستخدم مياه الشرب فى رش المسطحات الخضراء وتستهلك آلافا من الامتار المكعبة من المياه دون أى مساءلة ، ويجب إلزام أصحاب الكمبوندات والقرى السياحية بإنشاء محطات لتحلية مياه البحر والمياه الجوفية لاستخدامها فى رش الحدائق وحمامات السباحة. وأكد أنه يجب توعية المواطن البسيط بكيفية التعامل مع أزمة المياه وأبعادها الحالية والمستقبلية، وعلى الجهات المعنية إعلامه بها وبتداعياتها والقانون وعقوباته. * محضر بيئة خالد مصطفى المتحدث الرسمى لمحافظة القاهرة قال: منذ 4 أشهر أصدرت شركة مياه الشرب بالقاهرة تقريرًا مفاده أن القاهرة وحدها تهدر يوميًا مليون متر مكعب من المياه، وأننا اقتربنا كثيرًا من مرحلة الشح المائي، والمهندس عاطف عبد الحميد محافظ القاهرة وجه فورًا تعليماته لرؤساء الاحياء بمراجعة دورات المياه العمومية بالمستشفيات والمدارس والمصالح الحكومية والمبانى العامة، كما وجه بسرعة تفعيل قراره بعمل محضر بيئة لكل من يتم ضبطه يرش مياها أو يغسل سيارة فى الشارع وتتراوح الغرامة من 2000 إلى 20 ألف جنيه حسب خطورة الواقعة، فمن يقوم بذلك لا يتسبب فقط فى إهدار المياه إنما فى إتلاف الرصف أيضا. وأكد أن بعض رؤساء الاحياء شرعوا فى تطبيق قرار المحافظ ونتج عن ذلك تحرير عدد من المحاضر للمخالفين وأغلبهم من السائقين، الذين لن يتم تجديد رخصهم إلا بعد عمل مصالحة مع الحي، ونتيجة ذلك رصد خلال الفترة الماضية انخفاض معدل استهلاك المياه فى بعض الأحياء بنسبة من 20% إلى 30% ومازال العمل مستمرًا فى هذا الاتجاه، وسنجنى ثماره على المدى البعيد فسلوكيات وعادات الناس تحتاج الى توعية ووقت لتغييرها.