تبدو ظاهرة مسلسلات الأكشن والإثارة فى جوهرها تعكس تطور أدوات التصوير والإخراج من ناحية، ومن ناحية أخرى محاولة البحث عن أفكار جديدة تناسب فئات الشباب، على الرغم من كونها مع الوقت تبدو متكررة بشكل كبير، وربما يرى البعض أنها توقفت عن التطور على مستوى الأفكار والكتابة والإخراج، لكننى أرى عكس ذلك تماما، خاصة إذا كانت هذه النوعية من المسلسلات تعتمد على قصة خالية من الغموض حيث أطراف الصراع معروفون من الحلقات الأولى، ويتم تعقيد الصراع تدريجيًا إلى أن نصل لذروة الأحداث، وهذا ما يجعل من الأكشن بالأخص نوعا مثيرا من الدراما يضع المشاهد فى حالة ترقب وهو من أكثر أنواع الدراما إثارة خاصة مع زيادة الامكانات الإنتاجية التى تسمح بذلك، وهذا النوع سيثرى الدراما بالتأكيد، ولكن فى حالة كتابته بشكل جيد ومعالجة مقبولة لاتستخف بعقل المشاهد أو إدخالها على الموضوع بصورة فجة، ومن هنا تصبح الكتابة هى الأساس خاصة فى الأكشن، لأن السيناريو الجيد هو العمود الفقرى لأى عمل درامى، وفى النهاية لن تبقى إلا الأعمال الجيدة ;لان المشاهد يبحث عن الأفضل بغض النظر عن النجوم والميزانية المعروفة على العمل. ومن المسلسلات التى لفتت نظرى فى لوحة الدراما الرمضانية الحالية والتى تضج بنوعية الأكشن مسلسل «رحيم»، الذى يجنح نحو تيمة تتعلق بالتشويق والانتقام والمطاردات، ونظرا لتجدد شخصياته واحتوائه على مساحة كبيرة من المفاجآت، فمازال المسلسل يحافظ على تصدره لاهتمامات الجمهور منذ الحلقة الأولى ليتأرجح بين المرتبة الأولى والثانية، ويبدو ذلك بشكل واضح جدا ويتصاعد بوتيرة منتظمة، ولعل الفارق بينه وبين غيره من مسلسلات الحركة أو «الأكشن» فى هذا الموسم المفعم بالمنافسة حامية الوطيس أن بطل المسلسل «ياسر جلال» مازال يعطى مساحة كبيرة لباقى الأدوار، مثل دور «حلمى» الذى يجسده «محمد رياض»، وأيضا دور شخصية الدكتورة «داليا» الذى تجسده «نور» اللبنانية. لقد راهن صناع «رحيم» وعلى رأسهم المؤلف «محمد إسماعيل أمين» منذ البداية وبذكاء ملحوظ على خط مواز آخر لفكرة الانتقام والمؤامرة، وهو الخط الرومانسى الغامض بين الدكتورة داليا ورحيم، وأيضا اللفتات الإنسانية بين رحيم ووالده، وكلها أشياء جذبت شريحة كبيرة من المشاهدين، حيث يرصد المسلسل قصة صراع تدور داخل المجتمع المصرى، من خلال شخصية «رحيم» رجل الأعمال المصرى، الذى يعمل فى غسيل الأموال وتهريب الدولارات، ويتم القبض عليه ويسجن لفترة ليست قصيرة، وبعد خروجه من السجن، يفاجأ بأن رجاله استولوا على جميع ممتلكاته، وشردوا أفراد أسرته، فيبدأ رحلة بحثه عنهم واسترداد ممتلكاته. وعلى قدر ارتباط الغالبية العظمى من تلك النوعية من الأعمال المقترنة بالحركة والتشويق والإثارة باسم بطل رئيسى، إلا أن حلبة الأداء العذب شهدت منافسة حامية الوطيس بين أجيال مختلفة فى «رحيم» سواء أولئك الذين جسدوا أدوارا أولى، أو ثانية، أو حتى أدوارا ثانوية تصل فى حدها الأدنى لمستوى المشهد الواحد، مثل ما فعل «أحمد السقا» كضيف شرف فى إحدى الحلقات، ولعلنا شاهدنا تجسيدا دراميا رائعا وملحوظا لكل فريق العمل، وأظن أن المتعة لاتزال قائمة حتى نهاية الحلقات، كما يبدو ملحوظا أيضا أن تقنيات التصوير والسنوغرافيا والإضاءة والديكور، علاوة على المونتاج والإخراج جاءت على درجة عالية من الدقة والبراعة فى خلق نوع من الإثارة التى نجحت - إلى حد ما - فى تغطية بعض العيوب الطارئة على السيناريو، لكن بفضل كل تلك العناصر مجتمعة تمكن المسلسل من فرض نفسه، ويبدو لى من خلال مراقبتى لمسيرة النجومية عند «ياسر جلال» أنها ثمرة عقل لماح، وفكر وقاد، وتجربة أصيلة، فالنجومية الحقة لا تتأتى إلا بالجهد والسهر والتعب والمكابدة والمعاناة، صحيح أن للموهبة دورها فى صنع النجومية، ولكن للبيئة دور أكبر فى صنعها، فكم من مواهب وئدت بسبب الأساليب غير التربوية وأجواء الفاقة والإهمال والحرمان التى تحول دون النمو السليم، والتفتح الجميل، ورحم الله الشاعر إيليا أبو ماضى إذ يقول: «رب ذهن مثل النهار منير صار بالبؤس كالظلام دجيا»، وكم من مواهب تفتحت وأزهرت وأثمرت وأبدعت بسبب المعاملة الحسنة والرعاية الحانية والتشجيع البناء والتعزيز الفعال، والتعهد الهادف والبيئة الحاضنة الواعية، تماما كما حدث مع «ياسر جلال» الذى تربى فى كنف والده المخرج المسرحى الراحل «جلال توفيق» تربية سليمة، ومن ثم كان على الأجيال السابقة أن تأخذ بأيدى اللاحقة كشفاً عن المواهب ورعاية لها، وتقدم كل العون والمساعدة لإيصالها إلى أقصى ما تستطيع الوصول إليه، وهذا ماحدث من جانب «جلال» الأب الذى زرع بذرة صالحة ومضى، فالكلمة المشجعة على مايبدو كان لها فعلها فى صنع تلك النجومية التى ربما تأخرت كثيرا، وبعد فترة من الغياب جعلت منه نجمًا يتشوق الجمهور لرؤيته؛ لكنهم أرادوا رؤيته بطريقة مختلفة ومميزة، وكانت عودته محط أنظار الملايين، فياسر جلال كان ينتظر السيناريو الجيد الذى يعيد له بريقه الغائب منذ سنوات عديدة. استطاع «ياسر جلال» وللعام الثانى على التوالى أن ينتزع حب الجماهير بأداء عذب يتوافر فيه الإحساس وقوة التركيز للأفكار وقوة التذكر للحركة الجسمانية، بحيث يقدر أن يعيش فى دور «رحيم»، ويتسلل تحت جلد الشخصية، وأن تكون له المقدرة على إيجاد العلاقات الذهنية ومنطقية الإحساس والقدرة على التحليل النفسى، فإذا لم يكن هناك معين فى داخله ليخرج منه هذه الأشياء عند قيامه بأحد الأدوار فهو ليس ممثلا، لذا تجده دائما يتغير تغيرا كاملا فى الشكل الخارجى لهيئته ويدخل فى الشخصية التى يمثلها، فضلا عن كونه يمتاز بعقل وجسم نشيط، مما يدل على القوة الديناميكية لتكوين الشخصية، وعلى الممثل دوما أن يخلص للدور الذى يؤديه (يعيش فى مجتمع الدور وبإحساس صادق- وأن يحاول الوصول إلى أكبر درجة من الإتقان)، كما كان ومازال يفعل «ياسر جلال» من حلقة إلى أخرى، حيث يحالفه التوفيق فى كل مرة، ما يعكس بالضرورة ثقافته الواسعة بجمع الكتب التى تبحث فى شئون فن الممثل حتى يكون ملما بأغلب المشاعر والأحاسيس، فالممثل لا يستطيع أن يعيش على إحساساته الشخصية وحدها، بل إن قوة التخيل والإعداد - تساعد الممثل على أن يصب كل أفكاره فى دوره، بعد أن يتلقى التوجيهات من المخرج - ومراحل الدور التمثيلى فى حاجة دائمة إلى قوة التخيل، فإذا غابت أو نقصت خصوبة التخيل عند الممثل ضاع جهده على طول الخط. ربما تجب الإشارة إلى أن مهارة المخرج محمد سلامة تأتى فى إطار إيجابى، وهو اختيار عناصر محترفة، اختيار دقيق ومناسب أبرزها مثلا مدير التصوير «زكى عارف» بعينه الواعية فى دقة ملفتة لاختيار الزوايا و «الكلوز أب» فى كثير من المواقف التى تسجل انفعال الممثلين طبقا لطبيعة المشهد، وكذلك المونتير (روبرت فاروق) الذى استطاع أن يصنع طاقة إيجابية كبيرة تمنح قوة خاصة لمشاهد كثيرة بتقطيعات مونتاج أحدثت تأثيرا عاطفيا وصل الى حد التصفيق فى بعض المشاهد، أو فى التقطيع المتوازى بين تكسير الزجاج فى شركة «أمينة» بقوة دفع لجسد رحيم، بعد اكتشافه مقتلها، وبين جلوسه على صخرة فى مواجهة البحر الأحمر بجوار «داليا» فى مشهد رومانسى قادر على امتصاص أصعب اللحظات القاسية القادمة من فرط كراهية وحقد منافسيه الذين يتمنون موته فى أى لحظة. ظنى أن الموسيقى التصويرية ل «مصطفى الحلوانى» أسهمت إلى حد كبير فى إبراز قدرات «جلال» الذى طوّر من نفسه ومن طريقة تمثيله، التى تنوعت فى آخر عملين قدمهما للجمهور، حيث أظهر قدرة تمثيلية فائقة جعلت منه حالة خاصة يعيش معها الجمهور فى رمضان، باعتبار أن ما يقدمه من شكل ولون درامى متنوع ما بين الأكشن والرمانسى والاجتماعى، لاقى نجاحًا كبيرًا بين الجمهور الذى يتابع أعماله الرمضانية، ولعل أسلوب «ياسر» التمثيلى قد توافق مع السيناريوهات الجديدة التى كتبت خصيصًا له، لعلم كتبها مسبقا بإمكانية نجاحها على يديه، وهو ما حصل ولاقت ردود أفعال إيجابية للغاية، كما يبدو واضحا جليا فى مسلسله الجديد «رحيم». ربما كان لشخصية «رحيم» مبرر أخلاقى يشبه إلى حد كبير ذلك المبرر الذى أعطى الحياة لأبطال كبار فى الخيال الشعبى مثل: «روبن هود» الذى سرق ممتلكات الأثرياء الإنجليز ووزعها على الفقراء.. وهو ما فعله أيضا البطل المكسيكى «زاباتا» والمصرى «على الزيبق» فى عصر المماليك و «أدهم الشرقاوى» فى أيام الاحتلال الانجليزى، صحيح أنهم كلهم من اللصوص وقطاع الطرق على عكس البطل الجديد «رحيم»، لكنهم على أية حال أصبحوا أبطالا شعبيين ورموزا لمقاومة الشر والظلم والاستعمار طبعا، وغدو شخصيات تخلدها الحكايات والمواويل والصورة المطبوعة فى مخيلة الناس عن المجرم البطل، وكل منهم تحولت سيرته إلى موال شعبى أو حكاية بطولة خارقة.. ربما لأن الناس تتعاطف مع من يعادى الحكومة، خاصة فى المراحل التى تكون فيها تلك الحكومة فاسدة، وربما لأن سرقة أغنياء مشكوك فى ثرواتهم يجعل من الجريمة وكأنها اقتناص حق لا جريمة عادية، وعموما يظهر هذا النوع من الشخصيات فى لحظات التوتر بين المجتمع والسلطة، وخاصة لحظات يشعر فيها المجتمع بالعجز عن مواجهة السلطة القابضة على كل شيء، وصعود شريحة واسعة من ديناصورات المال الوحشى كما هو حال البطل الشعبى الجديد «رحيم». جدير بالملاحظة أيضا أن لذكاء «ياسر جلال» دورا كبيرا فى نجاحه الحالى، فاختياراته باتت موفقة وبها حالة من الوعى ظهرت «رحيم» الذى أصبح عملا اجتمع أمامه كل أفراد الأسرة، كما أن بمشاهدة أولى حلقاته نجد أن تفاصيل اختيار «لوكشانات» التصوير وطبيعة شكل الصورة التى أعتنى بها «محمد سلامة» تجلب المتعة لمشاهد يظل مستمتعًا طوال الوقت ومن حلقة إلى أخرى بالشكل العام للعمل التليفزيونى، خاصة وأن أغلب أحداثه تم تصويرها بأحدث تقنيات التصوير، وقصة العمل نفسه والتى عادت بنا إلى أيام أحداث 25 يناير، ومعاصرة تلك الفترة وعودتها من جديد للحديث حول ما بها وما عليها، كان ذلك أيضا أمرا تشويقيا كبير وله مذاقه الخاص، أحدث خلاله «جلال» طفرة فى نوعية الأعمال المقدمة هذا العام، ولعل مشهده الذى كان بجانب الفنان حسن حسنى، يثبت لك أن الممثل الموهوب يستطيع أن يلعب بالأدوات التى من حوله بشكل يحقق له النجاح وقد ظهر ذلك من خلال نجاح ذلك المشهد الذى وصلت عدد مشاهداته على السوشيال ميديا إلى أكثر من 25 مليون مشاهدة، فضلا عن ملايين الإشادات من جانب الجمهورالذى تمتع بمستوى تمثيل النجمين، وتحديدًا ياسر جلال الذى أعاد الفنان الكبير حسن حسنى، إلى جمهوره من جديد بمستوى فنى راق، تصدر خلاله تعليقات الجمهور مع أول أيام عرض المسلسلات. ويحسب حسن الأداء ل «محمد رياض» الذى أحب دوره وأخلص له فظهرت شخصية «حلمى» بترددها وتراجعها وإقدامها فى بعض الأحيان على أكمل وجه، ولقد أثبت رياض جدارته بأنه على الممثل أن يعيش فى الشخصية التى يمثلها، فالشخصية الشريرة تختلف عن الشخصية الطيبة، ولا بد من الكشف عن ظروف الشخصية وأحوال معيشتها، كما بدا من خلال أدائه المتواتر أحيانا والثابت فى أحايين أخرى جراء متطلبات اللحظة وظروف التراجيديا التى لها الغلبة فى حياة «حلمى»، وشيء من هذا القبيل يبدو فى أداء «طارق عبد العزيز» فى تجسيده لشخصية «سيد» بصوته الأجش فهو يحمل عيبا من العيوب المعدودة، وهو عيب (الصوت الأجش)، ولكنك تشعر فى صوته بتلك الشخصية المؤثرة الجذابة المحببة إلى الأسماع، ولقد برع فى استخراج الإحساسات والانفعالات التى تتولد من تلقاء نفسها، و لا تحتاج إلى تصنعها أوالتكلف بتمثيلها، ويبدو الانتباه و التركيز التام يمثلان مكاناً هاماً فى أدائه عموما، فالتركيز والانتباه مطلوبان للممثل لكل لفظ وكل حركة أو حتى بالنظرة و اللمسة التى يقوم بها. ويبدو لى واضحا أن هنالك نوعا من النضج فى أداء «إيهاب فهمى» لشخصية ضابط الأمن الوطنى «أحمد الديب» بمحاكاة عميقة للسلوك البشرى لضابط الشرطة، وذلك عبر رصيد من الحركات والتشنجات التى تندرج تحت (عملية خلق فنى) حيث استطاع ترجمة أفكار المؤلف بالصيغة التى تتواءم ومعطيات أنماطهم الخاصة، بحيث كان يتم الإلقاء والتكلم ورفع الصوت وخفضه فى اللحظات الحساسة فى الدور استنادا لفهم حقيقى لطبيعة الشخصية التى يؤديها، وفى ثانى تجاربها التمثيلية أظهرت «ياسمين غيث» قدرة جيدة فى أداء شخصية «أمينة» لتثبت أنها ممثلة قادمة على الطريق وبقوة، من خلال طريقتها المبتكرة فى التقنيات، والتى تبدو حاضرة فى ذهنها كممثلة مثل: التعبير عن السعادة ، الفرح ، الحزن ، وغيرها من وسائل تبشر لها بمستقبل مشرق فى عالم التمثيل الاحترافى، وهو على العكس تماما من أداء «نور اللبنانية» الذى جاء باردا ولا يتناسب أبدا مع عودتها الجديدة إلى الشاشة الصغيرة.