هنا فى حين الحسين العامر تختلف أجواء وعادات وتقاليد شهر رمضان الكريم عن أى مكان آخر حول العالم، لما لا وفيه يرقد الرأس الشريف لسيد شباب الجنة وعترة آل بيت رسول الله الإمام الحسين رضى الله عنه، تنتشر الزينة والإضاءة فى الشوارع والحوارى والأزقة، وتواشيح المنشدين التى تخرج عبر مكبرات الصوت المنتشرة فى هذه المناطق وموائد الرحمن، والمطاعم والمقاهى التى تسهر حتى مطلع الفجر. فى هذا المكان الذى يشع بالروحانيات والنفحات التى تجعلك تتنفس الحياة من جديد، تشعر بالأجواء الرمضانية المصرية الأصيلة، التى تتجلى معها المقولة المأثورة :”إذا لم تقض يوماً فى “حى الحسين” فى شهر رمضان فإن نصف عمرك قد فاتك”. وحى الحسين فى رمضان لا ينام، وتسير مشدوداً فى طرقه، وأزقته وحواريه، فتتنفس رائحة الروائى نجيب محفوظ وحرافيشه وتشنف آذانك بقصائد الإنشاد وصيحات التوحيد، والأغانى القديمة التى يلقيها على أسماعك العازفون الباحثون عن لقمة العيش فى هذا المقهى أو ذاك. وفى حى الحسين، حيث باعة المصاحف، والمسابح، والطرابيش، ستقودك قدماك إلى سوق العطارين، وسوق التوابل، وسوق النحاسين، وسوق الصابون. وهنا واحد من أهم معالم مصر القديمة ألا وهو كعبة العلم ومجمع العلماء الجامع الأزهر الشريف فخر مصر والعالم الإسلامي، حيث الأعمدة التى ولد وتربى تحت ظلها رفاعة الطهطاوى ومحمد عبده والشيخ عبد الحليم محمود ومحمد عبده وطه حسين، وكبار قراء القرآن الكريم. وفى هذا المكان يمتزج سحر وعبق التاريخ مع روحانيات الشهر الفضيل، فيتحول إلى حالة فريدة من نوعها من المساجد التاريخية والأبواب التراثية وأضرحة الصالحين والمنازل التى تصافح أعين الزائرين بشرفاتها المنخفضة ومشربياتها الجميلة، المصحوبة بالفوانيس والأضواء الملونة. ويبدأ اليوم فى الحسين قبل الإفطار بساعات قليلة من خلال تحضير الموائد فى الشارع الذى يحتوى على العديد من المطاعم، لتكون مكتملة عند أذان المغرب، فيتناول الجميع وجبة الإفطار على خلفية المبانى الأثرية المحيطة، ويمكن تمضية الوقت الذى يسبق الإفطار أو الذى يلى الإفطار مباشرة فى التجول بين المحال الموجودة فى خان الخليلى التى تبيع التحف والأنتيكات والهدايا والتحف الفرعونية والمزخرفات الإسلامية التى تجسد مهارة المصريين. وهناك خيار آخر بالنسبة لزوار المنطقة وهو الجلوس على أحد المقاهى التى تختلف عن مقاهى مصر، لأنها ببساطة لها تاريخ، أشهرها مقهى “الفيشاوي” الذى افتتح سنة 1797 م، أى قبل ما يزيد على قرنين من الزمان، إلا أنه أصبح أكثر شهرة وبريقاً ربما بسبب نجيب محفوظ الذى كان له مكان دائم فيه، أو بسبب الطراز المبنى عليه المقهى وهو طراز عربى إسلامي. وتوجد أيضاً فى الميدان مقاه عدة أخرى مشهورة، وعلى الجانب الأخر هناك منافس قوى للمقاهى فى رمضان بمنطقة الحسين وهى الأماكن الأثرية التى تقيم فيها وزارة الثقافة أنشطة فنية وثقافية، مثل بيت الهراوى وبيت السحيمى ووكالة الغورى التى تقدم فيها فرق الفن الشعبى والتراث والأناشيد الدينية، إلى جانب الفرق الشبابية، حفلاتها التى تستمر حتى قرب السحور. وهنا يرجع الجميع إلى الميدان مرة أخرى لتناول السحور وهم يستمعون إلى التواشيح بالأصوات العذبة المنطلقة من المآذن المحيطة بالميدان ليبقى صوتها الرخيم آخر شيء يودع زوار المكان فى نهاية رحلتهم.