تفرق المسلمون فرقاً ومذاهب، تعددت اتجاهاتهم وأفكارهم، وظل «حب الحسين» يجمعهم، وظل مقامه بالحى الذى يحمل اسمه بالقاهرة القديمة شاهداً عبر الزمن على تلك القيمة فى حياة الأمة. يتردد على الحسين يومياً مئات المسلمين، يرى كلُ منهم زيارة قبر حفيد رسول الله سبباً لحلول الخير والبركة، والصلاة بين جنبات مسجده ليست ككل الصلوات، فالسجود والركوع لله على بٌعد أمتار من مرقد سيد شباب أهل الجنة، أمرُ بلا شك لا يُضاهى روحانية. فى رمضان، شهر المسلمين المٌحبب لأفئدتهم، تهوى أنفسهم أكثر من أى وقت آخر لزيارة «الحسين»، بجولة لك فى ذلك الحى العريق بقاهرة المعز ستجد الغنى والفقير، الكبير والصغير، لن يكون من الصعب أن تلاحظ تلك المنطقة وقد تحولت لما يشبه التقاء للمسلمين من جميع بقاع الدنيا، فالوجوه العربية حاضرة جنباً إلى جنب مع ذوى البشرة السمراء والقلوب النقية، مسلمى آسيا لم يغيبوا عن المشهد وأكملوا الصورة بملامحهم المميزة التى لا تخطئها عين. عاشت «الوفد» ليلة فى رحاب «الحسين»، نشم فيها عبق التاريخ وترمق أعيننا أبنية وحوائط ظلت شامخة ألف عام أو يزيد، لا يعكر صفو عودة الزمن بك إلى الوراء وتذكر بطولات الأجداد غير الزحام وغياب النظام وانتشار الباعة الجائلين والمتسولين، ففى السطور القادمة نرصد ما رأيناه فى ليلة فى رحاب الإمام الشهيد. سرقة محررى «الوفد» كتب – خالد عمار وعمرو إسماعيل: لم يتوقف الأمر عند انتهاك حرمات شهر رمضان الكريم، بل تجاوزه للسرقة من داخل المساجد دون وازع من دين أو ضمير. فمع سماع التواشيح الدينية قبيل رفع أذان صلاة الفجر، وبينما كان الحاضرون يستعدون لترك أماكنهم بالشوارع والمقاهى والمطاعم عقب انتهاء السحور؛ ذهاباً إلى المكان المخصص للوضوء. لم يُسعف الوقت محرر الوفد وزملاءه وكثيراً من القادمين للحاق بداية صلاة القيام، ودخل الصلاة فى نهاية الركعة الثانية بسبب الزحام الشديد، ومع دخول المسجد وضع محرر «الوفد» حقيبته الخاصة أسفل قدميه وبدأ فى الصلاة مع المصلين فى آخر صف بالمسجد. وأثناء سجود المصلين، قام أحد اللصوص بسرقة الحقيبة من جانب محرر الوفد بأسلوب «المغافلة» أثناء فريضة الصلاة، وكان بداخل الحقيبة الهاتف المحمول وبعض الأغراض الخاصة. وبسؤال نقطة الشرطة المعنية بتأمين ساحة المسجد وأمن وسلامة المواطنين؛ للواقعة رد اثنان من أمناء الشرطة «ربنا يعوض عليك»، وعمل المحضر غير متوافر لديهم وعليك الذهاب إلى قسم الجمالية، نظرة إهمال وتباطؤ لدى مسئولى الأمن لم أرها من قبل فى تلك المواقف التى لابد أن يقوم الأمن بمهام عمله واطمئنان المواطنين وجلب حقوقهم والبحث وراء الخارجين عن القانون واللصوص. وعندما قرر اثنان من محررى الوفد أخذ قسط من الراحة على أحد الأرصفة، اشترى أحدهما كوبين من «الترمس» وبعد دقائق، لم يجد زميلى كوب الترمس. طفل يرعى أسرة كتبت - دعاء أبو العزم: يتجول فى شوارع الحسين ينادى هنا وهناك «اشترى منى يا باشا اشترى منى يا آنسة» تنظر فى عينيه لتتعرف منهما على سنوات من الهموم التى عاشها طفل فى الثانية عشرة من عمره، فرض عليه الواقع أن يعيش رجلاً فى سن الثلاثين. لم تعد يداه ناعمتين كأقرانه من نفس الجيل، فالعمل ليل نهار والتجول فى حر الصيف رسم عليه علامات الشقاء، لتصبح يداه خشنتين، فضلاً عن آثار الجروح على ذراعيه يمسك بيديه كيساً مملوءاً بلعب الأطفال التى ينادى على الناس لشرائها. توفى والده وترك له أسرة يعولها تتكون من والدته وأخيه الأصغر وأخت أصغر منه سناً، هو الطفل «حمدى حنفى» الذى تسكن قلبه البراءة والحنين. يتحمل حمدى ما تفرضه عليه الحياة من لحظات ألم ليحقق أسمى طموحاته وهى رضا والدته ليقول: «بشتغل ليل نهار حتى أيام الدراسة بطلع من المدرسة أشتغل أهم حاجة عندى رضا أمى وبس». يستكمل حمدى باقى طموحاته التى يتمنى تحقيقها فى المستقبل: «نفسى أبقى أى حاجة ضابط، مهندس، دكتور، مدرس أى حاجة محترمة تعوضنى عن التعب دا كله وتخلى أمى تفرح بيا». أما عن ملابس العيد، فيقول حمدى «أنا لسة ماشترتش لبس العيد لحد دلوقتى بس بحاول أشتغل على أد ما أقدر عشان أحوش فلوس وأشتريه، فى الغالب بشترى تيشرت وبنطلون ولو الحالة صعبة بجيب حاجة واحدة منهم». قبيل العيد مباشرة بعدة أيام هى أيام الشقاء على حمدى حيث يضاعف عمله ليل نهار لكى يستطيع أن يتنازل عن دوره فى كفالة أسرته ويعود لطفولته لمدة لا تتجاوز 24 ساعة هى «يوم العيد»، ويقول «بحاول قبل العيد أشتغل ليل نهار عشان أعرف آخد العيد أجازة باخد من أمى 10 أو 15 جنيهاً بظبط نفسى بيها يوم العيد». كل شىء مباح من السرقة حتى التحرش كتب - خالد عمار وشيماء حلمى ومحمد مصطفى ومحمد أسامة فى هدوء وانسجام وسلام، ينتشر السائحون فى ميدان الحسين والشوارع المحيطة به يقضون أوقاتهم فى سعادة لما يشعرون به من أمن واطمئنان، فضلاً عن الاستقبال الحافل من قبل أصحاب المطاعم والمقاهى الذين حرصوا على عدم مضايقتهم. يأتى ذلك فى ظل سيولة مرورية بالشوارع الخالية من القمامة وانتشار مكثف لرجال الأمن الذين عملوا على منع أى متسول أو بائع من الدخول للميدان حفاظاً على سمعة السياحة. يعد ذلك توصيفاً لما كانت عليه منطقة «الحسين» التاريخية والسياحة، إلا أن الوضع لم يكن كذلك على الإطلاق فالسائحون غائبون وحل محلهم المصريون الذين افترشوا الأرض بأطفالهم وفرشوا طعامهم المنزلى وسط القمامة والمياه ذات الرائحة الكريهة. أما الاستقبال فشكا منه الزائرون بسبب مضايقات البائعة وأصحاب المقاهى والمطاعم والمتسولين المنتشرين فى المنطقة، وسط إهمال واضح من قبل رجال الأمن، فالجنود متفرغون للتحرش بالسيدات بالنظرات والألفاظ والضباط يقضون أوقاتهم تحت إحدى المظلات وتتعالى ضحكاتهم وسط حالة من الانفلات الأمنى والتكدس المرورى فى الشوارع، هذا فضلاً عن رائحة القمامة التى تملأ المكان. تجولت كاميرا «الوفد» فى منطقة الحسين ومن كل موقع جاءت بأكثر من قصة وحكاية.. هنا الكل يقوم بدوره المحدد له سواء كان فريق أطفال الشوارع أو البائعين أو المتسولين واللصوص، فكل منهم يقوم بعمله ودوره المنوط به على أكمل وجه، البائعون لن يتركوك حتى تشترى منهم والمتسولون وراءك حتى تعطيهم نقوداً، واللصوص لم يتركوا فرصة إلا وقاموا باستغلالها وذلك بعد سرقة نقود أحد محررى «الوفد» العاملين على هذا الملف، وكذلك سرقة «كوب ترمس» بجوار محرر آخر. وكانت الصورة الثانية لأصحاب المطاعم والكافيهات المتراصة بجوار بعضها البعض فى أرجاء محيط المسجد، التى أغلقت جميع الشوارع الجانبية بالكراسى وشاشات العرض لتمر من مندوب كافيه إلى مندوب مطعم ويستخدمون جملة واحدة اتفضل يا أستاذ اتسحر عندنا.. والنبى يا شيخ تقعد تتسحر هنا» لتجبر على الجلوس لتنقل إلى مرحلة أخرى وهى الأسعار فتراوح سعر كوب الشاى على سبيل المثال 20 جنيهاً مصرياً. هذا بخلاف التحرش اللفظى والجنسى سواء من الزائرين أو من بعض المختصين بتأمين المواطنين فيما يتحصن بعضهم الآخر أحد الحواجز الأمنية ويجرى مكالمة عاطفية تمتد أحياناً حتى تنتهى ساعات خدمته. وبينما ينتشر عدد من رسامى الحنة وبائعى البلالين والذرة المشوى والذين يستخدمون الأطفال فى عملهم وتجارتهم لاستدرار عاطفة المارة. ينتشر أيضاً عدد من المراهقين لا تتعدى أعمارهم 16 عاماً يتعمدون مضايقة السيدات والفتيات، رواد المسجد وشارع المعز، فيقولون «تعالى هنا يا عسل، رايح فين يا جميل» ما آثار استياء رواد المنطقة الذين يطالبون الشرطة بالتدخل للحد من هذه التصرفات.. ولكن لا حياة لمن تنادى. وفى شارع المعز يتعمد عدد من الشباب تصوير الفتيات فى غفلة ما أدى إلى عدد من المشادات بين الشباب والفتيات، وأمام المسجد الأزهر يتعمد أيضاً سائقو الميكروباصات مضايقة السيدات والفتيات، وكثيراً ما تسمع «الإسعاف يا عسل». وجبة الفول ب 50 جنيهاً كتب - محمد جبر ومحمد موسى وكريم ربيع ومحمد حمدى: إن ساقك الحنين للذهاب إلى «الحسين» لقضاء يومٍ فى أجواء لا تفاجأ حينما تُبصر ساحات المسجد وما يحيط بها من شوارع سياحية وقد تحولت لموائد طعام بها كل ما لذ وطاب، ولا تندهش أيضاً عندما تأكل طبق الفول ب50 جنيهاً. ويجب عليك ألا تغضب أو أن تعبر عن ضيقك، إن وجدت نفسك «غنيمة» يحاول رجال هذا المطعم أو ذاك استقطابها لتكون زبوناً لديهم، بنفس الكيفية المٌتبعة تقريباً فى محطات سيارات الأجرة مع اختلاف بعض التفاصيل، اعتبر ذلك نوعاً من أنواع الترحيب بضيوف مقام حفيد المصطفى. ولكن اعلم أنك إذا ما قررت الاستجابة لدعوات الترحيب تلك، وقررت أن تشارك فى وليمة الإفطار أو السحور فى مطاعم هذا الحى الرائع، فأنت أمام قوائم أسعار تزيد على مثيلاتها بمقدار الضعف إن لم يكن أكثر، فشغف المصريين بالطعام فى أجواء استثنائية كالتى يوفرها «الحسين» لرواده، فرصة يجب ألا يفوتها أصحاب المطاعم لتحقيق أكبر مكسب فى أيام البركة. مبالغة فى الأسعار خضنا تجربة التجول بين موائد سحور «الحسين»، استطلعنا أسعار الخدمات والطعام المقدمة للزوار، توقفنا كثيراً أمام قائمة طعام قفزت بأسعارها هنا بشكل مبالغ فيه، فتناول طبق من الفول يٌكلف عشرة جنيهات كاملة وإذا ما اخترت طبقاً من البطاطس بجانبه فأنت بحاجة لتسعة جنيهات إضافية تزداد بستة جنيهات أخرى لو أردت تناول السلطة لجوار طعامك، أما إذا ما فضلت السرعة وقررت إنجاز سحورك فى تناول سندوتشات فإن ذلك يكلفك سبعة جنيهات للواحد، أحد الزائرين أخبرنا بأن طبق الفول يقفز لخمسين جنيهاً قبيل مدفع السحور هذا وإن وجدته، وفق تعبيره. فى هذا الشأن، يقول محمد علاء – 15 سنة، إن تجربته الحسينية لرمضان هذا العام، كانت بمنطقة السحيمى، مشيراً إلى أن وجبة السحور هناك كلفته 45 جنيهاً، ليعلق بأن تلك التكلفة تماثل ضعف ما يمكن أن تكلفه وجبة مثيلة بمناطق أخرى فى القاهرة. وأضاف عاطف صابر – 24 سنة بذات السياق، مؤكداً أن أسعار أطباق الفول تٌصبح ثلاثة أضعاف سعرها الطبيعى بالأيام العادية. خداع واستغلال على جانب آخر، نفى إبراهيم عبد الجواد – 25 سنة، وجود أى اختلاف فى الأسعار بين الخدمات المقدمة فى رمضان عن مثيلاتها بشهور أخرى، لافتاً لأنه قضى يوماً رمضانياً هذا العام، وأن الأسعار تشبه قبل رمضان وأنه لم يشعر بأى فرق. واختلف أحمد أنور – 24 سنة، أحد أبناء منطقة الحسين مع ما ذهب إليه «عبدالجواد»، لافتاً لوجود زيادات فى الأسعار يلجأ إليها بعض المحلات والمطاعم خاصة فى رمضان لكونه موسماً، ضارباً أمثلة بأن أسعار الوجبات قد تصل لسبعين جنيهاً للإفطار وأربعين للسحور. وتابع: هناك تفاوت فى أسعار الوجبات بالمطاعم المختلفة الموجودة بالمنطقة السياحية العتيقة، مشيراً لنقطة مهمة يجب أن تكون فى بال كل زائر ل«الحسين» فى هذا الشهر الكريم، ألا وهى عدم التزام المطاعم ببيانات قوائم الطعام المقدمة لزبائنهم، موضحاً أنه بالإضافة لإمكانية أن تدفع أكثر مما هو مدون بالقائمة، يمكن أن تأتيك وجبات بها اختلافات عن التى طلبتها بالفعل.