* نسرين بغدادى: حساسيتنا المفرطة تجاه النقد ستصيب المجتمع بالخرس أثارت الحلقات الأولى من مسلسلات وبرامج رمضان والإعلانات جدلا كبيرا ومشكلات أكبر خاصة بين اوساط المحامين والأثريين والأقباط وشرائح أخرى عديدة بالمجتمع، ووصل الأمر إلى ساحات القضاء، بل تعدت الأزمات حدود الوطن، بما يدلل على جود حساسية «نقدية» مفرطة تجاه تلك الأعمال فى هذا الموسم بالتحديد عن سابقيه. فعن مسلسل «أبو عمر المصرى»، قالت وزارة الخارجية السودانية إنه يسيء للمواطنين المصريين القادمين والمقيمين بالسودان. واعتبرت الوزارة المسلسل «محاولة عبثية لضرب الثقة وشل التواصل بين الشعبين الشقيقين»، لكنها أكدت أن «مصير هذه المحاولة البائسة الفشل الذريع». وأشارت إلى ان الترويج له عكس بصورة كبيرة إصرار البعض على اختلاق وتكريس صورة نمطية سالبة تلصق تهمة الإرهاب ببعض المواطنين المصريين المقيمين أو الزائرين للسودان. وقد عبر الروائى عز الدين شكرى فشير، كاتب رواية أبو عمر المصرى، عن استيائه الشديد إزاء ما أقدمت عليه الشركة المنتجة للمسلسل المأخوذ عن روايته ، من إهدار حقوقه فى التأليف. وقال عبر فيس بوك: فوجئت بإزالة اسمى من بوسترات المسلسل وإعلاناته ثم من مقدمة المسلسل نفسه، بحيث أصبح يبدو وكأنه من تأليف كاتبة السيناريو، وذلك فى مخالفة صريحة للقواعد المعمول بها ونقضا لنصوص العقد المبرم بينى وبين الشركة المنتجة الذى تم بمقتضاه تحويل روايتى «مقتل فخر الدين» و«أبو عمر المصرى» إلى هذا المسلسل. كما أثار مسلسل «ربع رومى» بطولة الفنان بيومى فؤاد ازمة مع المحامين نظرا لاستعراض شخصية المحامى بشكل غير مقبول. وهاجم سامح عاشور، نقيب المحامين، المسلسل واصفا اياه ب»السخف» لإساءته للمحامين. وأضاف «عاشور» أن المحامين لن يتركوا أحدا يسىء لهم وسيأخذ القانون مجراه لنيل حقهم. وأشار فى تصريحات حول الازمة إلى أن شخصية المحامى التى قدمها من قبل الفنان الراحل أحمد زكى فى فيلم «ضد الحكومة»، قدمت بشكل موضوعى كنموذج سلبى للمحامين، لكن المسلسل ابعد ما يكون عن ذلك. أين احترام رجل الدين ؟ مسلسل «خفة يد» أثار أيضا غضب المواطنين المسيحيين الذين عبروا من خلال وسائل التواصل الاجتماعى وفى برامج تليفزيونية عن رفضهم ظهور رجل الدين المسيحى كما جسده الفنان محمد ثروت فى أحداث المسلسل، ودشن البعض صفحات على فيس بوك احداها باسم أحباء البابا شنودة تهاجم العمل وتدعو لوقف عرضه، وقال بعضهم فى تعليقات على الحساب ان ظهور شخصية كاهن مسيحى فى عمل درامى يجب ان يكون بشكل يعكس قدسية دوره الديني، وإن ظهور شخصية الكاهن الذى يدخن مثلا تعد امرا مرفوضا شكلا وموضوعا. على جانب آخر، أثارت مشاهد من مسلسل «طايع» استياء وغضب الأثريين لتناول العمل موضوع التنقيب عن الآثار بهذا القدر من السطحية والاستخفاف. كان المسلسل قد عرض بعثة أثرية أجنبية وسيارات مجهزة بأحدث أجهزة الاتصال بالأقمار الصناعية، وبوابات كشف إلكترونية فى صحراء ممتدة، تعمل فى التنقيب بطريقة «غير شرعية» عن الآثار.. وليس ذلك فقط بل وامتلاكهم خرائط للآثار التى لم تكتشف بعد. وقال الأثريون إنه «من الضرورى الاستعانة بمتخصصين فى الآثار عند التعرض لها بالأعمال الدرامية حتى الكوميدية، فمن غير الطبيعى أن نرى بعثة كاملة تنقب عن الآثار بشكل غير شرعى»، مؤكدين أن ما تشهده دراما رمضان هذا العام يعد نوعاً من الاستخفاف بعقلية المشاهد. وفى سياق متصل، لم يشفع اعتذار الداعية عمرو خالد عن كلمات قالها فى إعلان شارك فيه عن احد أنواع الدجاج عند مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى. وكان خالد صاحب اكبر قدر من التندر والتعليقات السلبية منذ بدء شهر رمضان، خاصة انه يشارك فى اعلانين، أحدهما عن الدجاج والآخر عن احدى شركات العطور العربية. واستنكر الكثيرون ربط خالد بين تناول هذا الدجاج وبين عبادة الله فى رمضان. أما رامز جلال و برنامجه الجديد هذا العام فقد حصل على قدر كبير من استياء المشاهدين منذ الحلقة الاولى التى قالت فيها ضيفة الحلقة ياسمين صبرى بعض العبارات التى يجب ألا تدخل البيت المصرى تحت تأثير المقلب الذى تشارك فيه، وأصدرت نقابة الإعلاميين برئاسة حمدى الكنيسى بيانا قالت فيه إنها تسعى إلى التواصل مع الهيئة الوطنية للاعلام لوقف عرض ما تبقى من حلقات هذا البرنامج. وحتى الآن لم توقع الهيئة اى غرامات على الاعمال التى شهدت خرقا للضوابط التى وضعتها وأعلنت عنها مرارا قبل بدلية الشهر الكريم. وجهة نظر أخرى فى المقابل تقول د. نسرين البغدادى أستاذة علم الاجتماع إن المجتمع المصرى بوسائل التواصل الاجتماعى وهو ما جعله يمارس النقد كثيرا ومع ذلك لا يتقبله، وهو مستمر فى ذلك منذ أحداث يناير عندما ظهر هذا السلوك واضحا على شخصيته. وأشارت الى خوفها من اصابة المجتمع بعد فترة بالخرس خوفا من ممارسة النقد الذى يؤدى إلى التقدم من خلال الاعمال الفنية . وقالت ان الدراما يجب ان «تشرح» المجتمع وتعرض ما لا يستطيع الناس قوله بشكل مباشر حيث إن إظهار السلبيات وسيلة وبداية طريق للتخلص منها وحلها. وأوضحت أن تاريخ الدراما مليء بالنقد لما يعترى المجتمع من سلوكيات وظواهر سلبية ونجحت الدراما فى ان تقوم بدورها كشريك فى حلها. واشارت إلى ان هذا الهجوم المفرط على الابداع والانتاج الدرامى سوف يؤثر سلبا على تلك القوة الناعمة التى نحن فى امس الحاجة إليها ليس كوسيلة تسلية انما كعامل من عوامل الاصلاح المجتمعى . وشددت على أن الرقابة التى أجازت تلك الأعمال هى فلتر على المحتوى الدرامى ويجب ان يوافق المجتمع على ما أجازته. ولفتت إلى أن الدراما فى رمضان هذا العام تتناول ظواهر درسها علماء الاجتماع وطالبوا كثيرا بحلها الا ان تلك المطالبات لم تأخذ قدرا كافيا من الاهمية وهو الدور الذى تقوم به الدراما الآن.