► الأمراض تلاحقهم بسبب التعامل المباشر مع القمامة بدون أقنعة وقفازات ► قانون الخدمة المدنية ينصفهم ..والتأمين الصحى والاجتماعى مازال غائبا ► رواتبهم تصل إلى 1500 جنيه بالحكومة و لا تتجاوز 750 بالقطاع الخاص وجوههم السمراء نطالعها ونحن سائرون فى الطريق، من سياراتنا ووسائل المواصلات التى نستخدمها كل يوم، وفى أماكن العمل أو حتى قضاء المصالح، ولا نعرف سبب تلك السمرة، أهى الشمس الحارقة أم لون البشرة المصرى الذى أصبح سمة لنا.. لذا لم تكن رحلة البحث عنهم صعبة على الإطلاق فوجودهم حولنا فى كل مكان يجعلهم أقرب الينا, ولكن أن تتجاذب معهم أطراف الحديث فهو أمر غاية فى الصعوبة .. لأن هناك مشرفين يتابعونهم ويراقبونهم لمنع التكاسل، ويوقعون الجزاءات عليهم ويخصمون من مرتباتهم المحدودة، التى تكاد تكفى الضروريات، ولا تحتمل أى خصومات. .. إنهم عمال النظافة، تلك الفئة المطحونة والذين لا يعرفون شيئا عن عيد العمال سوى أنه يوم إجازة رسمية للجميع، ولكنه ليس لهم بالطبع لأن عملهم لا يتوقف ولا يعرفون عطلات أو إجازات .. الغريب أن هذه الفئة، رغم أهميتها القصوى وان عملهم يعكس أهمية وأناقة أى مكان لأن الزائر والمار والمقيم ينظرون إلى نظافة المكان قبل أى شيء فيه ورغم ذلك .. فقد سقطوا سهوا من حسابات الجميع وطحنتهم مرتباتهم المعدومة فى القطاع الخاص والمهلهلة فى القطاع الحكومى ومازالوا يعملون راضيين. استوقفتهم مجموعة جلست تستريح وتتناول الغداء، والباقون يعملون .. فهم تابعون لجهاز المدينة أى أن دخلهم ثابت ومحصنون بتأمينات وغيرها، وهم أفضل حالا من غيرهم ممن يعملون فى الشركات الخاصة, ولكن المشرف الذى جلس يراقبهم ترك المكان لتوه - لأن مواعيد العمل الرسمية قد انتهت - بعد تحذيرات بلقاء جديد باكر، مؤكدا أن من يتأخر دقيقة واحدة سيعاقب بالخصم من المرتب.. انتظرت حتى تأكدت أن المشرف انصرف تماما وطلبت منهم الحوار فلم يفكروا كثيرا بل اختاروا احدهم الذى بحثوا عنه حتى جاء، وهو عم طلبة عامل تجاوز الأربعين ولكنه يجيد الحديث.. حيث قال طلبة السيد إن أعلى مرتب يحصل عليه أحدنا لا يتجاوز 1500 جنيه شاملة البدلات، وهذا بعد خدمة دامت أكثر من 25 عاما أما حديثو العمل حتى الذين وصلوا إلى 10 سنوات فمرتباتهم لا تتجاوز بأى حال 1200 جنيه شاملة كل شيء، فمن أين لنا أن ننفق على أبنائنا؟ وخاصة انه بحسابات بسيطة تعرف أن يوم العامل الأعلى مرتبا فينا لا يتجاوز 50 جنيها ننفق منها 5 جنيهات يوميا مواصلات وربما يزيد ومثلهم إفطار أو غداء، فميزانيتنا لا تسمح بأكثر من وجبة رغم أننا نعمل منذ السابعة وأحيانا السادسة صباحا حتى الثانية وربما الرابعة عصرا إذا تطلبت ظروف العمل. ويأتى بعد ذلك دور نفقات الأسرة فأنا أترك لزوجتى المرتب وعليها أن توفر يوميا للطعام والمدارس, فلدى 4 أبناء منهم طالب جامعى و 3 أطفال يذهبون للمدرسة ولا يشترون إلا سندوتشات الفول أحيانا إذا كان لديهم دروس تقوية تكلفنا 80 جنيها فى المركز الخيرى للتقوية لكل منهم بإجمالى 240 جنيها شهريا، أو يتم توفير الإفطار فى المنزل والذى يتكلف بالكاد 200 جنيه للإفطار فقط شهريا، وبالقطع لا يعرفون شيئا عن المصروف اليومى لباقى متطلبات المعيشة، لضيق ذات اليد ..أما مرحلة الجامعة فابنى الأكبر فى الفرقة الأولى يحتاج إلى 5 جنيهات يوميا مواصلات ومثلها إفطار، ولكنه لا يذهب كل الأيام حتى يوفر من نفقاته لتصوير الكتب والملازم لأننا لا نستطيع شراءها طبعا .. أما وجبة الغداء وهى الرئيسية فتحتاج إلى 20 جنيها لستة أفراد ونقضيها بأى شيء وربما نكتفى بنصف هذا المبلغ لأننا ملتزمون بسداد 400 جنيه إيجار ندفعهم أولا بأول وإلا »ننام فى الشارع«. أما المرض فليس من حقنا إلا المستوصفات الخيرية التى تفتح أبوابها لنا دائما، وليس أمامنا بديل حيث نحصل على أبسط الأدوية ولكنها تكفى لأننا لن نستطيع شراءها من الخارج، ولهذا فلا يستطيع اى منا الوفاء بكل التزامات أسرته. على مشارف الستين أما السيد أبو سالم، هذا الوجه الذى تدل قسماته على معاناة سنوات عمره التى قضاها وهو على مشارف الستين وما زال يعمل بهذا الشكل ذهابا وإيابا فى الطرقات .. فيقول إن مهنتهم غاية فى الخطورة صحيا فقد نحمل كيسا بلاستيكيا مغلقا، ويكون به بواقى أدوية وقد تصاب أيدينا بجروح«بسن حقنة« لمريض ولا نعرف ما تخلفه هذه الإبرة وقد ننظف مواد سيئة تؤذى المارة إذا رأوها.. فما بالك بنا ونحن نتعامل معها ورغم ذلك نتحامل على أنفسنا ومن يسقط منا مريض لا يجد من يغيثه فرغم أن لدينا تأمينا صحيا فإنه لا يجد من يغيثه إلا بعد فوات الأوان فأى محاولة للحصول على إجازة مرضية أو الاطمئنان على الإصابة يعد أمرا مستحيلا وكأن ما نتعرض له لا يستلزم كشف دوريا أو متابعة. نظرة دونية أما على محمود، فقد صدمنى بحقيقة نلمسها جميعا ولكننا لا نلقى لها بالا وهى أن الكثير من الناس يعاملونهم باستهانة فى كل القطاعات وتساءل قائلا : من يستحق النظرة الدونية ؟! أهو من يلقى القمامة أم من ينظفها؟ وأكد أن الاستهانة ليست بالنظرة فقط بل هناك من يلقى القمامة من سيارته ويرآنا ونحن ننظف، ويأتى المشرف ويتهمنا بالتقصير أو عدم إتقان العمل، ومع ذلك نرضى ونستمر فلا يوجد بديل، وإذا أخطأ أحدنا يتم عقابه بشدة وإذا شكونا فمن السهل التضحية بنا فليس لنا أهمية، وهذا سبب قلق الكثيرين فى الحديث إلى وسائل الإعلام أو التصوير أو حتى ذكر أسمائنا الحقيقية لأن العقاب رادع من صغار المشرفين قبل أى شخص. ذل الحاجة انتقلت إلى مدرسة خاصة بحجة الاستفسار عن مواعيد التقديم لألتقط الكلمات من عاملات النظافة هناك.. ولكن باءت كل محاولاتى بالفشل، وانتظرت حتى ميعاد الانصراف، وتتبعت إحداهن، اسمها انتصار محمد، فى الثلاثين من عمرها، استجابت للحوار معى لأنها اعتقدت أننى سأقدم لها مساعدة مادية فهى لا تحصل إلا على 750 جنيها مرتب فقط فى المدرسة ولديها طفلان وهجرها زوجها، معلقة دون طلاق، ولكنه رحل فاضطرت للعمل حتى لا تستجدى من احد أو تعمل خادمة لأنها تجرعت مرارة هذه المهنة طيلة عامين حتى وجدت وظيفة العاملة التى لا تكاد تكفى شيئا، ولكنها تمنعها ذل الحاجة ولكن هذا العمل بلا تأمين صحى أو معاش أو غيرها فمن يمرض منهن لا يجد من يعالجه إلا إذا سقط فى المدرسة فيأمر المشرفون بها بإرساله للمستشفى وإجازة يومين ومن لا يعود يتوقف عن العمل. أما الزيادة فى المرتبات فهى أمر مرفوض لأن حدود العمل فى الفصول لا تستحق أكثر من ذلك، أما الأتربة والروائح النفاذة للمنظفات والتى أدت إلى إصابة فى الصدر لاحدى زميلاتنا فلا تلقى أى اهتمام، ونعرف أننا قد نصاب ولكن ليس أمامنا بديل فحتى الكمامات والقفازات غير موجودة لنقى أنفسنا من أبسط مخاطر مهنتنا. تسول تركتها حائرة أفكر.. كيف لهذا المبلغ الزهيد أن يفى باحتياجاتها ؟ وكيف يحافظون على صحتهم ؟ لأن يوم المرض يعنى يوما بلا طعام بالنسبة لهم، لتقطع حيرتى «علية صابر» بمظهرها الملفت حيث وقفت فى زى عامل نظافة بأحد الشوارع الشهيرة، لا تكنس أو تنظف، وإنما تفعل شيئا آخر فهذه السيدة التى تجاوزت العقد الخامس من عمرها والتى طرقت زجاج السيارة مرددة كلمة واحدة هى «كل سنة وأنت طيبة» وهى كلمة المقصود منها طلب نقود، أكدت لى أنها كانت تعمل عاملة نظافة بذات المكان تتبع إحدى الشركات الخاصة وكان هناك مشرف يأتى ويهينها بشكل يومى ولا يترك لها فرصة لتلتفت، ويهددها دائما بقطع الرزق أو الخصم من المرتب الذى لا يصل إلى ألف جنيه بكل مشتملاته وهى فى أمس الحاجة إليه للإنفاق على بناتها و«سترهن« على حد قولها بعد وفاة والدهن منذ 3 سنوات، وبالفعل جاء يوم مرضت وارتكنت إلى شجرة فرآها المشرف الذى خصم لها اليوم، وأجبرها على استكمال العمل باقى اليوم رغم الخصم كعادته إذا تأخر أحدهم وإلا هددها بالفصل فقامت تعمل وتبكى واستمر المارة فى تقديم المساعدات المادية لها ومن يومها وهى كما هى بهذا الوضع. الغريب.. أن علية ليست نموذجا وحيدا من هذه الفئة فهناك مثلها كثيرون وكثيرات، ولكنها أكدت لى أن ظروف عمل هذه الفئة تمنعهم من الشكوى أو تجميع بعضهم كما أن أى مسئول ينظر لهم نظرة دونية ولهذا فهم متأكدون أن أى استغاثة مصيرها التجاهل. على الهامش تخيلت للحظات كيف نفطن لأهمية هذا القطاع الحيوى دون أن نتقاذف التهم بين المحليات والقطاع الخاص، وماذا لو لم يؤد كل منهم عمله فى ميعاده وفى منطقته ... كيف سيكون الوضع؟ وهنا أصابتنى أحوال تلك الفئة بالدوار فما بين دخول مختلفة وتهديد بالمرض وعدم التقدير تم طحن عامل النظافة ..لذا حملت كل تساؤلاتى إلى مجدى البدوى نائب رئيس اتحاد عمال مصر والذى أكد أن هناك فعلا بعض الفئات المهمشة، وعلى رأسها عمال النظافة ومرتباتهم مازالت تعانى والعدالة الاجتماعية تقتضى أن نتقارب فى الدخول ويتم ربطها ببعضها، ورغم ذلك تجد أن فئة عمال النظافة هى الفئة الوحيدة التى لم تساوم أو تعطل مصالح، ولذلك فنحن نناشد باستمرار كل أجهزة الدولة وفئاتها أن يكون لها دور فى مساندتهم وخاصة المجلس القومى للأجور والذى توقف عمله لفترة طويلة وقد أنشيء عام 2003 بموجب قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وعمل 4 جلسات فقط . ورغم ان قانون الخدمة المدنية حسن من أوضاعهم قليلا، فإن أجورهم كانت قبل ذلك معدومة لكن مازالت تحتاج لتدخل فقد حصلوا أيضا على علاوتين إحداهما علاوة غلاء والاخرى علاوة اجتماعية ولكن الأصل أنهم من البداية مرتباتهم ضعيفة ولا يمكن أن نتركهم. ويرى نائب رئيس اتحاد عمال مصر ان المجلس القومى للأجور كان قد اعد تصورا للموازنة ما بين الأجور والأسعار لوضع توصيات لزيادة رواتبهم، والمجلس مكون من 4 عمال و4 أصحاب أعمال و4 ممثلين للحكومة برئاسة وزير التخطيط وكل ما نفعله هو المناشدة بحلول لا نملك اتخاذ القرار فيها، وخاصة ان هذه الفئة بها جزء مطحون وهم العاملون بالقطاع الخاص فليس لهم اى تأمينات او شيء يستندون إليه.