فجأة أصبح عامل النظافة موضع اهتمام ومتابعة ومراقبة من كافة المسئولين، ورفع عدد من الحقوقيين شعارات مدوية؛ دفاعًا عن هؤلاء المهمشين؛ ردًّا على تصريحات وزير العدل السابق محفوظ صابر، التى قدم استقالته بسببها، وقال فيها "تعيين القاضى لا بد أن يكون من وسط محترم، وتعيين ابن عامل النظافة بالقضاء حيحصل له حاجات كتيرة اكتئاب نفسي، والقاضى له شموخه، ويجب أن يكون مستندًا لوسط محترم ماديًّا ومعنويًّا". وأثارت هذه التصريحات حفيظة قطاعات واسعة من الشعب المصري؛ لما اعتبرها الكثيرون تكريسًا لعدم المساواة وإهدارًا لمبدأ تكافؤ الفرص، وذهب البعض إلى أنها مخالفة للدستور المصري بتعديلاته، وهب الجميع فجأة للدفاع عن عمال النظافة. وفجأة أيضًا، وكعادة المصريين بهت الاهتمام، واختفت المتابعة لأحوال هؤلاء المهمشين، وعاد عمال النظافة إلى وضعهم المأساوى من جديد. "البديل" التقى عددًا منهم؛ لكشف بعض الأمور التى يعانى منها عمال هذا القطاع الحيوى والمهم. فى البداية يقول إبراهيم الملاح (عامل نظافة بمجلس مدينة طنطا) "الذل والمهانة وانتظار التشرد فى أى لحظة حياة كل عاملى النظافة فى مصر، فمعظمنا شغالين بنظام التعاقد، يعنى فى أي لحظة يمكن الاستغناء عنا، والتعاقد فى الحكم المحلى هو استعباد مقنن، خصوصًا فى قطاع النظافة اللى هو حتى لا يرقى لدرجة موظف؛ لأنهم بيعتبرونا مجرد مشاريع، والمشاريع لها صندوق، فممكن فى لحظة تطلع فى دماغ أى محافظ إنه يلغى المشروع، والناس دى تتشرد". وأضاف على الحبشى (عامل نظافة بمركز بسيون) أن "مرتب عامل النظافة المتعاقد لا يتجاوز 700 جنيه، ده إن كان قديم كمان، وبيفضل 8 ساعات أو 6 ساعات على حسب الوردية يشتغل يلم فى القمامة بكافة أنواعها وأشكالها فى الشوارع وفى بير سلم أى بيت، وبيوصل الأمر بعامل النظافة فى الشتا إنه يسلك بلاعات كمان، رغم إن دى مش شغلانته". وأشار الحبشى إلى أن عامل النظافة نظراً لأن مرتبه لا يكفي أربعى أيام يضطر أثناء انتهاء شغله أن يعمل أعمالاً خاصة أخرى، فمثلاً ينظف سطحًا أو يحمل ركام الهدم، أو ينزح "الكنيف" لو فى منطقة شعبية ليس بها صرف صحى مقابل عشرة جنيهات أو عشرين جنيهًا، ويكون وقتها سعيدًا؛ لأنه رُزِق في ذلك اليوم. وتدخل فى الحديث جمال الصاوى قائلا "عمال النظافة فى مصر جميعهم بيكونوا حاملين أوبئة فى أجسامهم بالنيابة عن المواطنين، ومع ذلك لما تيجى تشوف بدلات الأوبئة اللى بتحتسب لعامل النظافة ومش بياخدها كلها لا ترقى لكونها ملاليم فى زمن فيه فيروس سى والفشل الكلوى منتشرين، بالإضافه إلى أن عامل النظافة كمان بيستحمل الإهانات من سواقىن العربيات، سواء الأغنياء أو بتوع الأجرة وغيره. مش بس كده بيكون عرضة للحوادث زى أخونا عبد الناصر – الله يرحمه ويحسن إليه – من أقل من سنة صدمته عربية وهو بيشتغل، واللى صدمه راجل مبسوط، ومع ذلك هرب من نفقات علاج العامل الغلبان اللى فضل فاقد الوعى فى المستشفى 15يوم، وفى الآخر مات، والحكومة طبعًا ما عملتش حاجة، وجمع العمال من بعضهم فلوس المستشفى والمديونية اللى عليه وهو ميت مقتول، وبقوا يخصموا من مرتباتهم البسيطة عشان يقفوا مع زميلهم حى وميت. حد حس بيه؟! حد اتكلم عنه؟! حد بيفكر فى بيته بعد ما مات وساب 4 بنات؟! له ربنا وحضرة النبى عليه الصلاة والسلام.، بس فيه نقطة مهمة جدًّا ما تعرفهاش عن عامل النظافة، عامل النظافة لو عمل إضراب، مصر دى هتصاب بالأوبئة الفتاكة فى ظرف 72 ساعة، عارف ليه؟ قبل كده عمال النظافة عملوا إضراب يومين بس، رفضوا يطلعوا الشوارع؛ لأن سيادة المحافظ رفض يقبضهم مرتباتهم، وقال لهم ما فيش فلوس نجيب لكم منين؟ يومين كانت البلد غرقت فى الزبالة من كل ناحية والناس بتستغيث". وقال علاء إسماعيل (من الشباب المتعاقدين في مشروع النظافة): "تخيل إنت لو عمال النظافة عملوا إضراب مثلاً فى أول يوم عيد الأضحى وتانى يوم أو فى ليلة العيد نفسها؟ شوف مصر هيبقى حالها إيه. أنتم تدبحوا وتأكلوا لحمة وعامل النظافة يشيل على جتته وكتافه، ومن سخافة رؤساء مجالس المدن إنهم عملوا بدلة حمرا لعامل النظافة زى بدلة الإعدام بالضبط، فأكتر فئة فى المجتمع مهانة وما حدش بيحس بيها هم عمال النظافة". واختتم عبد العزيز الجندى الحديث قائلاً "عامل النظافة بيذلوه عشان يقبض مرتبه؟ آه والله، يعنى العمال الشهر اللى فات عشان يقبضوا ال 600 جنيه ولا ال 500 جنيه بتوعهم، والمفروض يقبضوا يوم 22 فى الشهر اللى فات، قبضوا يوم 5 الشهر ده، وكان العمال بدءوا يغيبوا عشان ما فيش فلوس، حيوكِّلوا عيالهم منين؟! وأصلاً ال 700 جنيه يعملوا إيه لبيت وأسرة، وعامل النضافة مهدور حقه فى البلد دى، وعشنا يومين الناس بتدافع عنا بعد تصريحات الوزير، وفجأة عادت ريمة لعادتها القديمة". صارخًا "عاوزين حد يحس بينا بجد".