الأحذية، التى لا تحظى منا بأىّ امتنان، هى بطلة حياة أبو ياسر. منها يكسب رزقه، ومن أضيق ثقب فيها، عرف نفسه وعرف الناس. منذ تسرّب من المدرسة، فى الصف الخامس الابتدائى، أدرك، بالفطرة، أنه لا بد من استعمال عاطفته فى تصليح الأحذية. لقد ورث الشغف بها عن والده. ولما مات الأب طوّر الابن هذا الشغف. حوّله إلى حنان. من القدم يبدأ أبو ياسر معرفته بك. قال لى: «أفهم كل واحد من حذائه. لكل حذاء مقام. وعينى تعرف أصل الحذاء وفصله من على بُعد». عينه قادرة أيضاً على اكتشاف التصدع، ليس فقط فى أحذية الزبائن بل فى جيوبهم. أما أصابعه فهى التى تكاتب الأحذية بالمحبة قبل الإبرة. أبو ياسر، الأب ل 5 أبناء كلهم مؤهلات عليا ويمتهنون مهنته، استحلفنى أن أذكر اسم الأسطى محمود، لأنه مدين له بنصف خبرته، واسم والده «بخيت»، فقد ورث منه حصته من القناعة واحترام الناس. على ذكر الاحترام.. ليست هناك ذكرى أعزّ عنده من منظر نجيب محفوظ وهو ينحنى، بكلتا يديه، لتحية الرجل الذى يلمّع حذاءه فى محله. وحين رجاه، فى آخر مرة، أن يتخفف من هذا العبء قال له: يا أبو ياسر..«كلنا ماشيين». بعدها بأسبوع مات نجيب محفوظ. لم يعد يذهب لتلميع حذائه.