تمسك بالفرشاة، تدق دقات الرزق على صندوقها الخشبي، نظرات متتابعة لأقدام تسير على الأرض ذهابا وإيابا، تجري نحو صاحب الحذاء الجلدي، تنصرف عن صاحب الحذاء الرياضي "الكوتشي"، تقترب إليها في موضعها بالممرر الضيق على الرصيف المجاور لمنفذ المترو، فتجد وجها اكتست ملامحه بالشقاء، ويد تعيش على ذكرى أنوثة ناعمة مضت، وخشونة كستها صبغة ورنيش، بقعها بنية وسوداء، لم تنكرها في سبيل لقمة عيش تعول بها نفسها وأولادها، وتساعد بها زوجها. رحلة "شقا" تخوضها نجاة منذ وطأت أقدامها أرض العاصمة قبل 17 عاما، من بيت فسيح في سوهاج إلى غرفة صغيرة لا تخلو لموقع قدم أو تتسع للأنفاس، انتقلت الصعيدية السمراء وهي طفلة في الثانية عشرة من عمرها، برفقة أبيها و7 من أشقائها الذكور إلى القاهرة، تقول: "الحياة مكنتش سهلة، نقلنا من سوهاج لمصر وسكنا كلنا في أوضة واحدة في مدخل العمارة اللي أبويا كان شغال فيها بواب"، وتروي الأم المشرفة على الثلاثين كيف كان تنظيف "شقق العمارة" مهربا لها من الغرفة المكتظة بالأشقاء. عامان عاشتهما "نجاة" في غرفة "حارس العقار"، غزت خلالهما علامات الأنوثة جسدها الصغير، فكانت من نصيب أول "عريس" يدق الباب، لتبدأ ابنة الرابعة عشرة حياتها الزوجية، دون أن تتوقف عن العمل، فمساندة "نجاة" لذويها لم تنته، فقط انتقلت من والدها إلى أسرتها الجديدة. إلى جوار محطة مترو "البحوث" تقضي الشابة نهارها، تجلس في جلباب أسود فضفاض تلمع أحذية المارة، "الشغل مش عيب، وتلميع جزم الناس ده شغل مفيهوش حاجة تكسف"، كلمات تقولها "نجاة" بنبرة يغلب عليها الفخر بما تفعل. أربعون جنيها تجنيها الصعيدية يوميا من تلميع أحذية المارة، تنفق منها 20 جنيها على إطعام أسرتها، وعشر جنيهات لسجائر زوجها الذي يقضي نهاره نائما ولا ينضم إليها سوى في الثانية ظهرا، تقول بلهجة صعيدية: "بناكل فول أو عدس أو بصارة، وممكن نجيب رجلين فراخ ونعمل عليها شوربة، وبنحوش العشرة جنيه الباقية". حلم ب"فرشة" تبيع عليها أربطة الأحذية لا يفارقها، إلا أنه يحتاج على الأقل 500 جنيه كبداية، كما تقول، وحتى تستطيع تحقيق حلمها تبقى "نجاة" على الرصيف تلمع أحذية المارة بابتسامة رضا لا تفارق شفتيها.