الست عفاف .. تنتظر إنصاف وزيرة التضامن ورئيسة القومى للمرأة وجهٌ صادقَ الشمس فلفحته واستكانت علي شُرفاته سنين عددا، فتشقق وأجدب وكأنه الحمأ المسنون.. صحراءُ قاحلةٌ بلا شجرٍ يتفيؤ ظلاله واقعٌ مؤلمٌ، ولا ماءٍ تُروي به حياةٌ شاحبةٌ.. وعينان كحيلتان بلا كُحلٍ، تُخفيان حزنًا دفينًا وهمًّا مُقيمًا؛ ولا تُخفيان رضًا وارفًا مورقًا أنسًا بقضاء الله وجلال تدبيره.. وفمٌ طريقه موصولٌ بالتقبيل إلي ظاهر الكف اليمني وباطنها، يتخلله هسيسُ تمتماتٍ حامدةٍ شاكرةٍ علي عظيمِ نِعمِ الله وتمامِ فضله بعد كلِّ جنيهٍ يدخلُ (سيالة) الجلباب الأسود الداكن الذي لا تملك غيره منذ نزحتْ إلي القاهرة هربًا من الظلم وسعيًا لاهتبالِ فرصةٍ للبقاءِ.. فهي صورةٌ مُشرقةٌ للمرأة العاملة الباحثة عن اللقمة الحلال لإطعام العيال؛ وهي صورة موّارةٌ لحنايا الضمير وخبايا الوجدان؛ وهي صورةٌ مُفعمةٌ بالأمل والألم، واليأس والبؤس، والثورة والاستسلام، والرضا والغضب.. وما شئنا من تناقضات، التي هي هي القوة الناعمة لهذه المرأة وارفة الظلال غزيرة الثمار؛ إذ يُحيط بأركانها الأربعة أبناؤها الأربعة فتُطعم هذه وتسقي تلك وتوبخ هذا وتتوعد ذاك إذا ابتعد لمحةً عن عينيها. عشر نساء في واحدة، بل عشرة رجال في امرأة إذا قيست الرجولة بتحمل الإعسار والتجمل للأقدار.. كتلة من أهرام مصر وآثارها، بل هي هي بشحمها ولحمها، بصبرها وصُلبها، بشموخها المتعالي وإن افترشت التراب لحصد رزقها المُعلق بأحذية العابرين.. «تلمّع يا أستاذ».. تُنادي بها في خفةِ من أتقن صنعته وتمرّس بها، ليشعر (الزبون) أن نعْله سيكون بين يدٍ أمينةٍ ستهبه، إن كان جديدًا، ما يستحقه من تلميع ليصبح كالمرآة؛ وستنفخ فيه روحًا جديدة إن كان بالي الوجه مخروم النعل معفّرا بتراب السكك.. لتجمع بعد (غطسة) الشمس جنيهاتها القليلة التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع ولا تستر من بدن!! وإذا كان لكل إنسان حادث يُدير دفة حياته ويغيّر عليه مُتجهه، فإن وفاة أبوالعيال إثر حادث سير جعلت الست عفاف تُبارز الدنيا وجها لوجهٍ، والمفارقة أن يموت زوجها وهو في طريقه لقضاء يوم إجازة في أحد المصايف القريبة، فهرب من الفقر إلي الموت، وكأن الهواء العليل أبي دخول رئة أضنتها رائحة الورنيش والجوارب المنتنة.. ولأن الفقر في بلادنا وراثة فلم تجد الست عفاف وأبناؤها غير (فرشة) زوجها ومهنته وسيلة لاستكمال حيواتهم الدنيا!! ولأن فصول المأساة لابد أن تكتمل.. تقول وقد سحّت دموعها علي الخدين والجلباب، إن أهل زوجها ظلموها ظلم الحُسين إذ أصروا علي زواجها من أخو زوجها المتزوج ويعول خمسة أبناء وإلا طردوها، فرفضت ونزحت بأبنائها إلي القاهرة، بعد أن ضاقت عليها المنيا بما رحُبت وضاق بها إخوتها الأشد منها فقرًا، واتخذت لها مأوي من أربعة حيطان بالإيجار في أبي النمرس بالجيزة، علي أن ترتحلَ فجرًا إلي الدقي لافعة عدة الشغل علي رأسها حيث فرشة زوجها أمام مستشفي 6 أكتوبر لتلحق بالنوباتجية الأولي للأطباء.. رحلة (سيزيفية) يومية قام بها زوجها حتي وفاته، وها هي تقوم بها، طمعًا في البحث عن غدٍ أفضل لأبنائها الأيتام.. وعن مدي براعتها في مهنةٍ تحتاج إلي عضلات الرجال، تقول إنها تعلمت خفة ومهارة التلميع من زوجها، حتي إن زبائنها يثنون عليها كثيرًا ويعودون إليها دومًا، وهم كرماء معها فلا ينفحها أحدهم أقل من (حتة بخمسة)، بل إن بعضهم يحاول إعطاءها المال دون تلميع، استحياء وأدبًا أن يرفع قدمه في وجه امرأة، لكنها تصرّ علي تلميع حذائه؛ لأنها صعيدية ولا تقبل الحرام، ولن تتسول وإن أكلتها بدقة. الست عفاف أرادت توصيل رسالة من خلال الأخبار إلي مسئولي الشئون الاجتماعية بأبي النمرس لمساعدتها علي الحصول علي معاش الضمان الذي سيساعدها كثيرًا ويخفف من أحمالها الثقال.. وكأنه مكتوبٌ علي هذا الجبل الأشمّ محاربة روتين الحكومة العنيد، إضافة إلي الفقر والمرض.. ولو أنصفت وزيرة التضامن ورئيسة القومي للمرأة لجلستا مكان الست عفاف ولمّعتا حذاءها، إن كان لديها واحد، إن كانتا حقًّا تبحثان عن مصلحة المرأة المصرية.. ولكنهما لا تُنصفان.. تمامًا كالحياة ! !