بعدما أدرك ترامب بعد نصائح الناصحين أنه يصوب فى الاتجاه الخاطئ، وافق على استثناء صادرات دول النافتا (منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية) من الرسوم التجارية العقابية على صادراتها من الصلب والألومنيوم للولايات المتحدة. وفى الوقت نفسه بدأ الاتحاد الأوروبى واليابان مفاوضات تجارية مع الولاياتالمتحدة لطلب مد الاستثناء من الرسوم ليشمل صادراتها. وعلى الرغم من أن المفاوضات لم تسفر حتى الآن عن نتيجة نهائية، إلا أنها قد فتحت الباب للمساومة. أما بالنسبة للصين فإن ترامب يعتزم تصعيد الحرب التجارية الى ما يمكن أن يعادل سياسة حافة الهاوية التجارية، بمنطق إما أن اكسب كل شيء او أخسر كل شيء، مع اعتقاده بأنه سيكون الرابح. الصين من ناحيتها أعلنت رسميا أنها سوف تدافع بحزم عن حقوقها ومصالحها المشروعة. ويعتقد المسئولون الصينيون بأن الولاياتالمتحدة مخطئة فى فرض رسوم جمركية عقابية على صادرات الدول الأخرى، ومن بينها الصين التى تنتج وحدها نصف كمية الإنتاج العالمى من الصلب، فى حين تبلغ كمية صادراتها للسوق الامريكية اقل من 3 ملايين طن (2017). كذلك يعتقد الصينيون أن الملعب الحقيقى للحرب التجارية ليس المنتجات الأولية التقليدية مثل الحديد والصلب والألومنيوم، ولكنه سوق المنتجات التكنولوجية المتطورة وحقوق الابتكار والاختراع (الملكية الفكرية). ويقوم المنطق التجارى الصينى على أساس مفهوم عقلانى براجماتى يتمثل فى أن البقاء فى السوق هو لصاحب القدرات التنافسية الأعلى، وخصوصا للأكثر قدرة على المنافسة فى الصناعات التكنولوجية المتقدمة، وليس فى الحلقات الأدنى من الصناعة مثل الفحم والحديد والصلب والألومنيوم. ولم تفصح الصين عن الرد الذى يمكن أن تقوم به، وهذا أيضا هو سمة مميزة للسلوك الصينى على المستوى الدولي. وأظن أن بكين، على عكس واشنطن، تسعى جاهدة إلى توسيع نطاق جبهة أصدقائها فى حال تصعيد الحرب التجارية. إنها ليست واشنطن التى تضرب أصدقاءها وهى تدعى استهداف خصومها. ولذلك ستتصرف الصين على الأرجح بهدوء شديد سالكة الطرق الدبلوماسية التجارية من خلال منظمة التجارة العالمية، وعندما ترد فإنها سترد بمقدار، ولكن فى المجالات التى يمكن أن تؤلم المنتجين الأمريكيين، ابتداء من منتجى الحبوب الى منتجى السيارات والطائرات وهو ما حدث مع فرض الصين رسوما على نحو 128 منتجا أمريكيا أبرزها الخمور والمكسرات ولحوم الخنزير وغيرها. وهى تفعل ذلك مع حرص شديد على ألا تؤذى الاستثمارات الأمريكية فى الصين. قد يلجأ ترامب الى تصعيد واسع النطاق ضد الصين يشمل مجالات غير التجارة مثل الاعلام والمراكز الثقافية الصينية فى الولاياتالمتحدة وتأشيرات الدخول إلى الولاياتالمتحدة خصوصا للأكاديميين والطلاب الصينيين، وفروع الشركات الصينية العاملة فى الولاياتالأمريكية. وفى مقابل ذلك فإن الورقة الرئيسية التى لم تلمح الصين الى إمكان استخدامها هى بلا شك ورقة الاستثمارات الصينية فى أذون الخزانة الأمريكية، وهى الورقة التى يمكن أن تؤلم الأمريكان بشدة، بل يمكن ان تتسبب فى خسائر هائلة قد تقذف بالاقتصاد الامريكى إلى هاوية الكساد. أين مصر من الحرب التجارية العالمية؟. مصر لها مصالح كثيرة فى انتعاش حركة التجارة العالمية، لأن هذا من شأنه أن ينعش قناة السويس. وتستطيع هيئة قناة السويس أن تقدر الآثار المتوقعة لمثل هذه الحرب على الحمولات العابرة للقناة من الجنوب إلى الشمال. فإذا كانت صادرات الصلب والألومنيوم من كوريا الجنوبيةوالصين والهند واليابان وتايوان إلى الولاياتالمتحدة تمر كلها او نسبة كبيرة منها عبر قناة السويس، فإن انخفاض كميات التصدير من هذه البلدان سيؤدى إلى انخفاض حجم الحمولات العابرة من قناة السويس، وبالتالى انخفاض قيمة رسوم المرور التى تحصلها الهيئة. أما الجانب الآخر من الآثار المحتملة للرسوم التجارية العقابية فيتعلق أساسا بصادرات الصلب المصرية الى الولاياتالمتحدة. وتبلغ قيمة هذه الصادرات فى الوقت الحالى (احصاءات 2017) نحو 100 مليون دولار وهى قيمة ضئيلة جدا بالنسبة لمجموع الواردات الأمريكية، لكنها مهمة جدا بالنسبة لمصر، إذ إنها تمثل نحو 7.5% من اجمالى الصادرات السلعية المصرية للولايات المتحدة. ومن شأن فرض رسوم عليها بنسبة 25% أن يؤدى ربما إلى إخراجها تماما من حيز المنافسة فى السوق الأمريكية. الرد المصرى هنا ينحصر فى ضرورة السعى إلى التفاوض مع الولاياتالمتحدة من أجل مد الاستثناء الذى حصلت عليها كندا والمكسيك ليشمل الصادرات المصرية أيضا. ونظرا لأن مصر لا تستطيع شن حرب تجارية على الولاياتالمتحدة، وأيضا نظرا لأن تقديم شكوى الى منظمة التجارة العالمية يمثل طريقا طويلا وصعبا، فإن المسعى المصرى للتفاوض مع الولاياتالمتحدة بشأن الاستثناء من الرسوم على الصلب يجب ان يتخذ طريق المفاوضات التجارية الثنائية. لمزيد من مقالات ◀ إبراهيم نوار