على حفظى: كانت من أصعب مراحل المفاوضات مع إسرائيل عبد المنعم سعيد: الطريق كان محفوفا بالمخاطر
تحتفل مصر اليوم بمرور 29 عاما على ذكرى عودة طابا إلى السيادة المصرية ، حيث يعتبر 19 مارس عام 1989 يوماً تاريخيا بعد رفع العلم المصرى عاليا, ليرفرف على آخر بقعة من أرض سيناء ليتم تحرير كامل الأرض المصرية المحتلة فى ذلك الوقت ، والاحتفال بتلك الذكرى الوطنية الغالية هو تكريم للإرادة المصرية الصلبة والصمود البطولى ، بل هو عيد للوفاء والاعتراف بالجميل لكل من بذل دمه وروحه من أجل بلوغ هذا الهدف النبيل, والوصول الى تلك النهاية المشرفة لصراع دام طويلا, وليجبر إسرائيل لأول مرة فى تاريخها على الانسحاب من كل شبر على أرض سيناء . وبمناسبة حلول تلك الذكرى الطيبة نستعيد مبادئ ومعانى عظيمة لتكون واضحة أمام الأجيال الجديدة التى لم تعايش تلك الأيام بما دار فيها من معارك وطنية ، فاسترداد طابا ملحمة يجب أن تعرفها كل الأجيال كنموذج للأداء المصرى المشرف فى الساحة السياسية، مثلما كان الأداء الخالد فى الساحة العسكرية فى أكتوبر 1973 ودرس أيضا للآخرين فى كيفية الحصول على الحقوق . قوة الإرادة المصرية أكدت الإرادة المصرية قدرتها على التمسك بكل حبة رمل لاسترداد كامل الأراضى المصرية من كل معتد آثم ، وتجسد ذلك فى ملحمة استرداد طابا وعدم الرضوخ للمزايدات أو الوقوع فى أمور شائكة تعرقل عودة تلك البقعة الغالية من سيناء إلى أحضان الوطن الأم ، ويرجع عودة الحق لأصحابه فى قضية استعادة طابا إلى تكاتف جميع قيادات وأجهزة الدولة فى إدارة الأزمة والاحتكام إلى الشرعية الدولية والقضاء الدولى واتباع أسلوب علمى ناجح لحل النزاعات الدولية بالطرق السلمية والتمسك بأحكام القانون الدولى فى ظل توافر عناصر القوة . وفى هذا الإطار يؤكد اللواء على حفظى قائد حرس الحدود ومحافظ سيناء الأسبق أن طابا كانت أصعب مراحل المفاوضات مع اسرائيل ، ولكن مصر أصرت على أن تحصر مهمة هيئة التحكيم فى سؤال واحد محدد وهو .. أين الموقع الحقيقى لعلامات الحدود المتنازع عليها وعددها 14 علامة وأهمها العلامة 91 .. وهل قامت اسرائيل بتحريك هذه العلامة للتلاعب فى حقائق الأرض أم لا ؟ .. وبعد مفاوضات مضنية نجح فريق القانونيين فى صياغة دقيقة لا تعطى إسرائيل فرصة للتحايل ، وتشكلت اللجنة القومية العليا للدفاع عن طابا فى 13 مايو عام 1985 من خيرة القانونيين والدبلوماسيين المصريين والعسكريين وخبراء المساحة الذين وضعوا رصيد خبرتهم وجهدهم من أجل استرداد الجزء الغالى من أرض الوطن . وأشار حفظى إلى أنه بشهادة الجميع كان أداء فريق الدفاع المصرى على أعلى مستوى من الكفاءة والمقدرة ، ونجح فى أن تصدر هيئة التحكيم الدولية حكمها فى 27 سبتمبر عام 1988 بأحقية مصر فى ممارسة السيادة على كامل ترابها، وامتد عمل هيئة الدفاع المصرية بعد صدور الحكم ومراوغة إسرائيل فى التنفيذ إلى جولات أخرى من الاجتماعات لتنفيذ حكم التحكيم وتسليم طابا بمنشآتها إلى مصر حتى وصلت الملحمة إلى المشهد الأخير بتسليم طابا فى 15 مارس عام 1989 ورفع العلم 19 مارس . ويرى اللواء حفظى أن استرداد طابا يرجع إلى نجاح مصر والحنكة فى إدارة الأزمة باقتدار والاعتماد على النفس الطويل فى مواجهة المناورات الإسرائيلية ووضع أسس ثابتة للتفاوض، أهمها أنه لاتنازل عن قطعة من أرض الوطن أيا كانت مساحتها ولامساومة على السيادة المصرية أيا كانت المبررات ، و لامناقشة للحدود الدولية الثابتة لمصر . ويقول على حفظى إن ذكرى استرداد آخر بقعة من أرض مصر الغالية تدعونا إلى الفخر والاعتزاز بجيش مصر العظيم الذى خاض ملحمة العبور التاريخى فى عام 1973، ويؤكد أنه رغم أن طابا منطقة صغيرة لا تتجاوز مساحتها 1020 مترا مربعا ، فإن مصر كانت ترى دائما - ولاتزال - أن أرض الوطن لا تقبل التجزئة ولاتقبل المساومة . مخاطر الطريق إلى «طابا» وفى هذا السياق يؤكد اللواء عبد المنعم سعيد قائد عمليات القوات المسلحة ومحافظ جنوبسيناء الأسبق أن الطريق لاستعادة طابا لم يكن سهلا ، وإنما كان الطريق صعبا ومحفوفا بالمخاطر ، وبالتالى كان لابد من تحكيم العقل والقانون لتعزيز عملية السلام وتثبيت ركائزها، فبعد انتصار أكتوبر 1973 وفض الاشتباك الأول فى يناير 1974 ثم فض الاشتباك الثانى فى سبتمبر عام 1975 وتلاحقت التطورات إلى أن وقعت معاهدة السلام فى 26 مارس عام 1979 وبعد انسحاب إسرائيل من سيناء نشأ الخلاف حول 10 كيلو مترات حاولت إسرائيل أن تظفر بها فى آخر لحظة كما هى عادتها . وأعلنت إسرائيل فى ذلك الوقت ضم منطقة طابا اليها بادعاء أنها داخلة فى نطاق فلسطين تحت الانتداب وكانت معاهدة السلام قد نصت على انسحاب إسرائيل من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية وحددت المعاهدة أن هذه الحدود الدولية هى الحدود المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب. ويستطرد اللواء عبد المنعم سعيد قائلا إن إسرائيل بدأت مع اقتراب موعد الانسحاب منذ بداية عام 1982 المناورات للمساومة على إتمام الانسحاب الذى يتم الاتفاق عليه مقابل تنازلات فى مسألة طابا من جانب مصر . ويوضح اللواء عبد المنعم سعيد أن فصول الملحمة تمثلت على مدى ست سنوات بعد الانسحاب الإسرائيلى من سيناء فى 25 أبريل 1982 وخاضتها مصر بنفس الروح العظيمة التى خاضت بها حرب أكتوبر ، وبعد المناورات الإسرائيلية وقعت مصر وإسرائيل اتفاقا يقضى بحل الخلاف عن طريق التفاوض فإن لم تصل إلى حل يكون عن طريق التوفيق أو التحكيم وفشلت المفاوضات وحاولت إسرائيل أن يكون الحل عن طريق التوفيق ولكن مصر رفضت بقوة، لأن التوفيق عادة ماينتهى بتنازل كل طرف عن بعض مطالبه وقبول حل وسط وصممت مصر على التحكيم الدولى . ونوه اللواء عبد المنعم سعيد إلى أن إسرائيل كانت تهدف من وراء المماطلة والمراوغة فى إعادة طابا لمصر إلى أمرين أولهما وضع مبدأ أن إسرائيل لا تنسحب من كل الأراضى العربية المحتلة حتى وإن كانت كيلو مترا واحدا وبذلك يتحقق لها سابقة يمكن أن تستغلها فيما بعد وتطبقها على الأراضى المحتلة بعد يونيو 1967 والأمر الثانى كان يهدف إلى تحقيق توسع إستراتيجى فى المنفذ الإسرائيلى الوحيد على خليج العقبة بحيث يمتد شاطئ إيلات الضيق إلى شاطئ طابا ويعتبر المتنفس السياحى لها بعد أن ضاقت بسكانها . واختتم اللواء عبد المنعم سعيد كلامه بالإشارة إلى أن الدروس المستفادة من استرداد أرض طابا العزيزة يأتى فى مقدمتها أنه لا يضيع حق وراءه مطالب وأنه لايكفى أن تكون صاحب حق بل تحسن الدفاع عنه وبالأسلوب الذى يفهمه الآخرون ، وأن يتم التسلح بعناصر القوة اقتصاديا وعسكريا وقانونيا ، إلى جانب حتمية الاعتماد على الخبراء والمتخصصين ، خاصة فى قضية مثل ملحمة طابا المتممة لملحمة أكتوبر .