«مهما بدت الحياة صعبة فهناك دائما شيء يمكنك فعله والنجاح فيه»..لم تكن تلك مجرد مقولة لعالم الفيزياء البريطانى الأشهر ستيفن هوكينج الذى فارق الحياة أمس، بل مبدأ تمحورت حوله حياته الشخصية والعلمية.فعلى مدى أكثر من خمسة وخمسين عاما ، منذ إصابته بمرض التصلب الضمورى العضلى الجانبى وهو فى مقتبل العمر،كان قدوة فى التحدى والصبر والتوهج الذهنى . ولد هوكينج فى 8 يناير 1942 فى أكسفورد فى أسرة من الطبقة المتوسطة كانت تعانى من بعض الأزمات المالية بسبب الحرب العالمية الثانية .كان والده طبيبا وكانت والدته أسكتلندية حاصلة على درجة فى الفلسفة.عندما كان فى التاسعة من عمره لقب ب «أينشتين» ورأى كثير من مدرسيه أنه عبقرى وسيفاجئ العالم بموهبته فى يوم من الأيام. فى بداية دراسته للفيزياء والكيمياء فى جامعة أكسفورد البريطانية شعر هوكينج بالملل والوحدة على مدى 18 شهرا، حيث كان يرى أن دراسته الأكاديمية «سهلة أكثر من اللازم «ولم تكن لديه علاقات اجتماعية ولكنه استطاع فى الأعوام التالية بذل المزيد من الجهد لتغيير الوضع وتحول إلى طالب يحظى بالشعبية والتحق بالكثير من الأنشطة. وفى العام الأول لدراسته الدكتوراة بجامعة كامبريدج اكتشف هوكينج اصابته بمرض التصلب الضمورى العضلى الجانبى ، وهو فى الحادية والعشرين من عمره فى عز فورة أحلامه وآماله بالنسبة للسنوات المقبلة ،مما حطمه نفسيا وأصابه بالاكتئاب لبعض الوقت ،خاصة أن ذلك المرض العضال يصيب الجسد بالشلل والعجز التام تدريجيا .ليس هذا فقط بل تنبأ أطباؤه بأنه لن يعيش لأكثر من سنتين.ولكن سرعان ما تغلبت روح التحدى لدى هوكينج وقرر ألا يمتد العجز - الذى لا يد له فيه وفرض عليه الجلوس على كرسى متحرك معظم عمره والتواصل مع الآخرين عبر رجفة العين من خلال الكمبيوتر(حيث أصبح عاجزا عن الكلام) - إلى عقله وقدرته على التأثير ليس فى عالم الفيزياء النظرية وعلوم الكون فقط بل فى الكثير من القضايا الإنسانية والسياسية أحيانا. نجح هوكينج،خلال السنوات التالية لاكتشاف مرضه عام 1963 ،فى تخطى الكثير من العوائق الطبية التى لم يعتقد أطباؤه أنه يمكن تجاوزها ،وفى استحداث النظريات والإجابة عن الكثير من الأسئلة الفيزيائية المحيرة فيما يتعلق بالثقوب السوداء وأصل الكون والنسبية العامة والجاذبية .وفاز بالعديد من الميداليات والجوائز وألف الكثير من الكتب العلمية المهمة. كما دأب هوكينج على طرح الكثير من الأسئلة الفلسفية والإنسانية المفتوحة عبر الانترنت من بينها «فى ظل الفوضى السياسية والاجتماعية والبيئية فى عالمنا المعاصر كيف يمكن للجنس البشرى الاستمرار لقرن آخر؟»، كما كانت له مواقف حاسمة ضد إسرائيل وحرب فيتنام والتسلح النووى والاحتباس الحرارى والحرب البيولوجية والاستفتاء حول انفصال اسكتلندا والخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى. وعلى المستوى الشخصى حاول هوكينج ممارسة حياة طبيعية على قدر الإمكان وتزوج مرتين وأنجب ثلاثة أبناء وله ثلاثة أحفاد.ولأن مرضه غير نظرته للحياة فقد أراد مشاركة الآخرين فى تجاربه وربما إلهام البعض وذلك من خلال تأليف كتابى سيرة ذاتية .كما فاز الفيلم المأخوذ عن حياته «نظرية كل شئ «بالعديد من جوائز الأوسكار فى عام 2014. كان هوكينج يحلم بأن يسافر للفضاء، وللأسف لم يمهله العمر، لكنه استطاع التحليق بأفكاره وروحه خارج محدودية الظروف التى فرضت عليه وستظل سيرته مصدر إلهام.