كان النمط السائد في الحكم الفردي هو الانفراد بالقرار, ولذلك كانت تتخذ غالبية القرارات السياسية بصفة ارتجالية وبدون دراسات علمية, فكانت السياسة تسوق العلم والدراسة. ولذلك كان هناك كثير من التخبط والخطأ وإهدار للمال العام. أما النمط في البلدان المتقدمة فهو أن العلم يقود السياسة بمعني أن اتخاذ القرارات السياسية يبني دائما علي دراسة مستفيضة وتمحيص للخلفيات العلمية والمبررات وكنا نأمل في تطبيق هذا المنظور بعد ثورة25 ينايرولكنا لانزال نري عددا لانهائيا من الاجتماعات والسفريات والهدايا واللقاءات السياسية الخاصة بموضوع مياه وادي النيل غير مسبقة بدراسة وافية, فهل مازلنا ننظر للبحوث العلمية علي أنها نوع من الرفاهية؟ قبل أن نقدم الدراسة المقترحة لمشكلة مياه النيل, يجب أن نستعرض بعض المفاهيم الأساسية التي اتفق عليها خبراء موارد المياه العالميون والوطنيون. أولا: يواجه العالم أزمة مياه حادة ليس بسبب ندرتها ولكن لسوء إدارة ملف المياه. ثانيا: يوجد في الوقت الحاضر ما يكفي من المعرفة والخبرة والتكنولوجيا بل ومن التمويلات لحل مشاكل المياه في العالم كله لجميع الاستخدامات. ثالثا: هناك حاجة إلي عقلية جديدة متفتحة لتحديد المشاكل الرئيسية المتعلقة بالمياه والتي تطفو علي السطح بين حين وآخر, ومن ثم إيجاد وتنفيذ الحلول المناسبة لها. من هنا كان اقتراحنا بإجراء دراسة شاملة لتنمية وإدارة الموارد المائية في دول حوض النيل يقوم بها فريق من الباحثين الوطنيين أنفسهم من بلدان حوض النيل, وذلك بأن يحصل كل واحد منهم علي منحة للحصول علي درجة الكتوراة من الجامعة المصرية اليابانية ببرج العرب تحت إشراف مشترك من أساتذة دوليين من الجامعة المصرية اليابانية وآخرين وطنيين من جامعاتهم. وتنصب كل دراسة علي جمع وتحليل المعلومات المتاحة ثم محاولة ايجاد أفضل الحلول لتنمية وإدارة الموارد المائية في كل بلد علي حدة, ومن ثم التوصية باتخاذ إجراءات لتحسين استخدام الموارد المائية في كل بلد من بلدان حوض النيل للأغراض المختلفة مثل الري والصناعة والإسكان.. الخ. وبذلك نستطيع الحد من فاقد المياه ومضاعفة فوائد الموارد المائية المتاحة لجميع بلدان حوض النيل, كل ذلك من خلال تنمية ونظام إدارة قائمين علي أسس علمية. وقد أبدي عدد من مراكز البحوث والجامعات العالمية إستعدادهم للمشاركة في أنشطته, فمثلا أبدي اتحاد الجامعات اليابانية الذي يدعم الجامعة المصرية اليابانية استعداده للمساعدة في جمع وتخزين المعلومات اللازمة باستخدام القمر الصناعي وبنك المعلومات, اليابانيين, ومساعدة الخبراء والباحثين الأفارقة في توثيق تلك المعلومات والتأكد من صحتها, كما أبدي مركز البحوث الفنلندي استعداده لمساعدة الباحثين في تطويرآليات حديثة لاختيار أفضل الحلول بإستخدام برامج الحاسوب المتقدمة, كذلك أبدي مركز العالم الثالث لإدارة المياه استعداده للاشتراك في الإشراف علي المشروع. من ناحية أخري أبدت بعض مؤسسات التمويل الدولية استعدادها للاشتراك في التمويل. تبقي الإرادة السياسية لبدء مشروع دولي بهذا الحجم, فحتي الآن لم تحرك الوزارت المختصة ساكنا لدعم المشروع بالرغم من الإتصالات العديدة التي قامت بها الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا, نحن نرسل هذه الرسالة الي الرئيس محمد مرسي وإلي رئيس الوزراء الجديد د. هشام قنديل لأن مصر في أشد الحاجة إلي عقليات جديدة متفتحة لحل مشكلة من أهم مشاكلنا الاجتماعية والوطنية والإقليمية وهي تنمية وإدارة الموارد المائية في دول حوض النيل.