كان جميلا. وطيبا لدرجة مدهشة. كانت دكانته على الجانب الآخر من شريط المترو بين ميدان تريومف وميدان سفير بمصر الجديدة بجوار منزل جدى. لديه عجلات كثيرة، معلقة على الجدران بشكل رائع، مقاسات وموديلات مختلفة، هى كل رأسماله. كنا زبائن أساسيين، وهناك زبائن أخرون يمتلكون عجلهم ويأتون لتصليحها، وكان يقضى معظم وقته فى إصلاح عجلات المحل التى يستأجرها أولاد عفاريت. كنا زبائنه فى العطلات والأعياد. وكنت أدفع له شلن (خمسة قروش) إيجار الساعة وأستلم العجلة، وأنطلق بها فى مغامرة مرتب لها من قبل مع الشلة، غالبا تكون زيارة لمنطقة بعيدة مثل عين شمس أو مطار القاهرة، وهى بالنسبة لأطفال فى العاشرة مغامرة، وعند العودة يكون تسليم العجلة لعم محمد فصلا دراميا كله إثارة، ويتم بطريقة فريدة متكررة. نقف على بعد عشرين مترا من المحل وننادى عم محمد، وحين يخرج نترك العجلات على الأرض ونجرى بكل ما أوتينا من سرعة، وعادة يتشتت ذهنه لكثرتنا، ولا يتمكن من الجرى خلفنا، ونتصرف بهذا الشكل الغريب لأننا تجاوزنا ساعة الإيجار بفارق بسيط .. ههه.. ساعتين ثلاثة لإغراء الانطلاق بسرعة لمسافات طويلة. أو تصاب العجلات بأعطاب تحتاج لصيانة أو تغيير أجزاء فيها. ونادرا ما تنتهى هذه الدراما بشكوى لجدى أو أحد أخوالى وتتم ترضيته بشكل أو آخر. وأشهر المغامرات التى لا أنساها حين تسلمت منه العجلة أول أيام العيد مع العصابة، وأردت التباهى بمهارتى فى القيادة كالعادة بسرعة جنونية فى أحد الطرق النازلة بانحدار شديد وشاهدت عن بعد صندوق كارتون أصفر فقررت أن اختراقه من الوسط. المصيبة أننى عندما اقتربت منه بسرعة حيث لا ينفع التراجع.. اكتشفت أنه حجر كبير.. وعندما رجعت وناديت عم محمد ليخرج ويتسلم العجلة ضحك بشكل غريب على غير عادته ولم يجر ورائى، وقبل ابتعادى نظرت خلفى فلاحظت أن العجلة الأمامية ليست مستديرة، تشبه شبه المنحرف، والجادون (عجلة القيادة) كان محنيا إلى الأمام، ما يعنى أننى طرت فى الفضاء لمسافة طويلة أثناء الحادثة. وتمزقت بدلتى الجديدة وكان الجميع يضحكون كلما رأونى فى الشارع. أين أنت يا عم محمد يا طيب. كنت فى الخمسين وأنا فى العاشرة.. لو أنك حى تكون قد تجاوزت المائة سنة الآن. وسلام عليك أينما كنت، حيّاً ترزق، أو تحت التراب. نسيت أقولك يا عم محمد: دكانك تم تأجيره لتاجر موبايلات بعشرين ألف جنيه فى الشهر. بتقول إيه؟!