يقول الحق سبحانه: «وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ»، ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم:«لا يدخلُ الجنةَ لحمٌ نبتَ من سحتٍ ، وكلُّ لحمٍ نبتَ من سحتٍ فالنارُ أولى به » ، ولما دخل سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب على سيدنا عبد الله بن عامر الحضرمى فى مرض موته ، قال له سيدنا عبد الله بن عامر ألا تدعو الله لنا يا ابن عمر، فقال ابن عمر رضى الله عنهما : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ»، والمراد أخشى أن يكون قد أصابك شيء من غلول فلا ينفعك دعاء ولا غيره . فقد حرم الإسلام أكل المال الحرام أيًّا كان نوعه، وشدد فى ذلك تشديدًا كبيرًا، حيث يقول الحق سبحانه:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا «وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا»، ويقول الحق سبحانه: «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا»، ويقول سبحانه: «وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»، ويقول نبينا: «يَأْتِى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِى الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ أَمِنَ الْحَلاَلِ أَمْ مِنْ الْحَرَامِ»، ويقول صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ رِجَالاً يخوضون فِى مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، وعن وائل بن حجر رضى الله عنه، قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى رسول الله فقال الحضرمي:يا رسول الله إن هذا غلبنى على أرض كانت لأبي، فقال الكندي:هى أرضى فى يدى أزرعها ليس له فيها حق ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم، للحضرمي: «ألك بينة “ قال: لا، قال: «فلك يمينه “ فقال : يا رسول الله إنه فاجر ليس يبالى ما حلف ليس يتورع من شيء، فقال: «ليس لك منه إلا ذلك»، وكان سيدنا عبد الله بن عباس، رضى الله عنهما، يقول فى قوله تعالى: «وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ»:هذا فى الرجل يكون عليه مال وليس عليه فيه بينة فيجحد المال ويخاصمهم إلى الحكام، وهو يعرف أن الحق عليه، وقد علم أنه آثم أكل حرامًا، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم، يقول:«إنما أنا بشرٌ مثلكم، وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له بنحو ما أسمع ، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار» ، وقد يتعوذ بعضنا من أكل السحت ظانًّا أنه غير واقع فيه وهو منغمس فى أعماقه، فالمال الناتج عن الغش سحت ، والمال الناشىء عن الاحتكار والاستغلال سحت، يقول نبينا، صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَخَلَ فِى شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغَلِّيَهُ عَلَيْهِمْ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، والمال الناشىء عن عدم الوفاء بحق العمل سحت، والمال الناتج عن عدم وفاء العامل حقه سحت، وفى الحديث القدسي: «قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِى ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ»، ومن أكل السحت الذى لا ينتبه كثير من الناس إليه: عدم الوفاء بحق المال بكنزه والضن به وعدم إخراج زكاته، حيث يقول الحق سبحانه: «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ». لمزيد من مقالات د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف