طالعت فى بعض الصحف والمواقع تقارير مفصلة ومطولة عن الطلاق الزائف الذى يقوم به بعض الناس بغية الحصول على مال لا يستحقونه، حيث تعمد بعض الأسر إلى الطلاق الشكلى على الورق، لتقديم وثيقة الطلاق الشكلية للحصول على معاش غير مستحق، كما قد يكون هذا الطلاق الشكلى أو النفعى لغايات أخرى على نحو ما كان يحدث من محاولة الحصول على إعفاء الابن من التجنيد كونه العائل الوحيد لوالدته المطلقة، ونحو ذلك، ويقاس على ذلك أيضًا من يلجأن للزواج العرفى بدل الموثّق من أجل الحفاظ على المعاش وعدم خسارته أو انقطاعه بسبب الزواج. وسيأتى تناولنا لذلك من جانبين: الأول شرعى والآخر تنظيمي، أما الجانب الشرعى فلا شك فى أن أى مال يتم الحصول عليه نتيجة هذا التحايل فهو سحت وأكل للمال بالباطل، يورد صاحبه المهالك فى الدنيا والآخرة، فى الدنيا بذهاب البركة من المال والولد، والتعرض لغضب الله عز وجل وسخطه، وعدم الراحة أو السكينة أو الطمأنينة، فهذا المال سُحت، وكل جسد نبت من سحت كان للنار وقودًا، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: “كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ”، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما، أن سيدنا سَعْد بْن أَبِى وَقَّاصٍ قال:يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”يَا سَعْدُ أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِى جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ عَمَل أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ وَالرِّبَا فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ”، لذا كان بعض الصالحين يتركون بعض الحلال مخافة أن تكون فيه شبهة حرام، ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: “إن رجالاً يتخوضون فى مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة” رواه البخاري. ويقول الحق سبحانه عن آكلى الحرام: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ، وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا«29» وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا” (النساء :30)، فأكل الحرام قتل للنفس وإهلاك وتدمير لها فى الدنيا والآخرة ، فهو فى الدنيا وبال على صاحبه فى صحته، فى أولاده، فى عرضه، فى أمواله، “وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى”. وآكل الحرام لا تستجاب له دعوة، فقد ذكر نبينا صلى الله عليه وسلم، الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَكْسَبُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ”. أما من ناحية التنظيم والإطار القانونى فإننى أقترح أن نصير إلى قانون يجرم كل ألوان الاحتيال والتدليس، واعتبار ذلك كله ضمن جرائم التزوير المتعمد، وألا يقتصر عقاب هذه الأفعال على المستفيد وحده، إنما يجب أن يتجاوزه إلى كل من تثبت مساعدته على ذلك. كما أن الأمر يجب ألا يتوقف عند وقف الصرف للمزور غير المستحق إنما يجب أن يتضمن رد المبالغ التى صرفت بدون وجه حق من خلال التزوير والتحايل على القانون مع عقوبة أو غرامة رادعة تحمى من تسول له نفسه اقتراف هذه الجرائم من شر نفسه. ولهذا أكدنا وما زلنا نؤكد أن ما عليه القانون فى الأمور التنظيمية هو ما عليه الفتوى، وأن إفتاء غير المؤهلين أو غير المتخصصين أو بعض العناصر الإرهابية بحل هذا التحايل جريمة تستحق المحاسبة .