«أكل المال الحرام» من الكبائر التي نبه عليها القرآن الكريم والسنة النبوية، ووضعت لها الشريعة الإسلامية قواعد ومعايير لمكافحتها، وعقوبة رادعة لمرتكبيها، فالمال الحرام يبني حجابا بين صاحبه وبين ربه، ويجعل طريقه إلى الله ممملوءا بالعقبات، وعندئذ يصلي ولا يشعر أنه يصلي، يقرأ القرآن ويري قلبه مغلقا، يذكر ربه فلا يرتعش جسده، لأنه محجوب عن الله بالظلم. وتعددت صور أكل المال الحرام في المجتمع المصري، والتي تتماثل في المغالاة والغش في البيع والشراء، والإهمال والفساد بالتهاون في العمل، إلى جانب التجارة في المواد المحرمة، السرقة واغتصاب الأموال تحت تهديد السلاح، أكل مال اليتيم، والربا، والرشاوي بكافة أصنافها، التسول دون الحاجة إلى الحلف بالله زورا لتضييع الحقوق، أخذ أموال الناس بقصد السلف مع إضمار النية بعدم سداده. ونهي القرآن الكريم عن الكسب الحرام، واعتبره بلاء على المجتمع وصاحبه، فقد قال الله في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلًا طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (168) سورة البقرة، كما قال عز وجل: {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلًا طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (69) سورة الأنفال، وقال أيضا: {فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (114) سورة النحل، وقال سبحانه: {قُل لاَّ يَسْتَوِى الْخَبِيثُ وَالطَّيّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ [المائدة:100]، وأيضا {وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ المائدة: 62، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ النساء: 29 كما وضع لنا الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم أسس وقواعد في سنة النبوية تسير عليها أمته الإسلامية لتفادي أكل المال الحرام، حيث روى الحافظ ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالًا طيبا)، وعندما جاء سعد بن أبي وقاص إلى النبي قائلا: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة، فقال: (يا سعد: أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)، وعن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن رجالًا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة)، روى البخاري في صحيحه. عواقب الحرام وعندما نبهت الشريعة الإسلامية عن أكل المال الحرام، وضعت عواقب وخيمة لتلك الجريمة، أشار إليها الله عز وجل في كتابه الكريم والرسول في الاحاديث النبوية، أولها "عدم قبول الدعاء"، حيث ذكر عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم في صحيحه: (إن الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام وغذيّ بالحرام فأنى يستجاب لذلك). والعاقبة الثانية هي "عدم قبول العمل الصالح"، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه آله وسلم: (من جمع مالا حراما، ثم تصدق به، لم يكن له فيه أجر، وكان إصره عليه)، (رواه ابن خزيمة وحسنه الألباني)، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه آله وسلم قال: لاَ تُقْبَلُ صَلاَةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلاَ صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ (رواه مسلم). والعاقبة الثالثة أن أكل المال الحرام يدفع صاحبه لعذاب النار وعذاب القبر وسوء الخاتمة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنةَ لحمٌ نبت من السحت، وكل لحمٍ نبت من السحت كانت النار أولى به) الترمذي أحمد صحّحه الحاكم ووافقه الذهبيّ أما الرابعة أن الحرام منزوع البركة مسلوب الاستقرار والطمأنينة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فمن يأخُذ مالًا بحقِّه يبارَك له فيه، ومن يأخُذ مالًا بغيرحقِّه فمثَلُه كمَثل الذي يأكُل ولا يشبَع) رواه البخاري ومسلم المال الحرام لايجلب السعادة ما أكده الإسلام منذ مئات السنين، كشفته دراسة بريطانية حديثة، بأن المال الحرام لا يدوم ولا يجلب السعادة، بعد أن اكتشف العلماء منطقة في الدماغ تجعل المرء يشعر بعدم الارتياح أو السعادة مع المال الحرام. وتوصلوا في هذه الدراسة إلى أن الأموال التي تربح بطرق غير مشروعة، تكون أقل إرضا، وهو ما يفسر سبب نفور الكثير من استغلال الآخرين لكسب المال، وأشارت نتائج الدراسة التي أشرفت عليها عالمة الأعصاب في كلية لندن الجامعية "مولي كروكيت" إلى أن المال الحرام لا يكون جذابا بالقدر ذاته. كما خلصت الدراسة إلى أن هناك نقطة في الدماغ البشري تدعى "قشرة الفص الجبهية الجانبية"، مهمتها هي تعزيز الشعور بالذنب عند اتخاذ الأشخاص قرارًا بإلحاق الأذى بالآخرين من أجل الحصول على الأرباح، وهو ما يؤدي إلى تقليل الشعور بالارتياح "النتيجة"، بسبب تعارضها مع الجوانب الأخلاقية.