• نقل المرحلة الأولى إلى مساكن آدمية بمشروع «طلمبات المكس» خلال أيام فى قرية الصيادين بالإسكندرية تستطيع أن تتنفس رائحة العرق دون أن تزكم أنفك، فهى رائحة ممزوجة بملوحة البحر وعطر اليود المميز ورائحة الأسماك البحرية الحية الطازجة ..القرية تقع على ضفاف المصرف الزراعى المعروف بخندق المكس أو فينيسيا الإسكندرية الذى يصب بمياهه فى البحر المتوسط .. هذه القرية تستعد للرحيل ويستعد أهلها لترك بيوتهم والانتقال للإقامة بمشروع «طلمبات المكس» الجديد فى إطار خطة الدولة لنقل سكان العشوائيات إلى مناطق آمنة وآدمية،،، ولكن للحكاية أبعاد أخرى .. فالأهالى رفضوا مغادرة منازلهم إلا بشروط والمحافظة تفاوضت معهم، وقدمت بعض الحلول ولكن مازال الكثيرون خائفين.
فى البداية نشير الى أن قرية الصيادين عانت كثيرا من التهميش والإقصاء والتلوث المنبعث من الشركات المحيطة حتى أضحى الصيادون يضطرون للإبحار لمسافات بعيدة تصل أحيانا إلى أكثر من عشرة كيلو مترات للحصول على حصة من الأسماك تكفى لسد رمقهم بسبب إلقاء مخلفات المصانع وتلوث المياه فى الخندق بشكل متزايد . وفى عام 2009 تم تصنيف ترعة خندق المكس كإحدى المناطق الخطرة جدا على قاطنيها وعليه كلف وزير الموارد المائية والرى السابق عام 2015 هيئة حماية الشواطئ ومعهد بحوث الشواطئ بدراسة إنشاء ميناء بحرى بمنطقة المكس بالإسكندرية وإنشاء مراس لمراكب الصيد تمهيداً لنقلهم من مجرى المكس المختنق بما يؤثر على سرعة سريان المياه إلى البحر وإنشاء حاجز أمواج لضمان استقرار المنطقة وتوسيع وتعميق خندق المكس. وبالفعل دخل المشروع حيز التنفيذ وسارعت الدولة بتوفير البدائل ولكن فى كل مرة كانت تفشل عملية نقل الصيادين نظرا لخصوصية المكان بالنسبة للصيادين وهو ما دفع الدولة لتقوم ببناء مساكن حديثة على مسافة عشر دقائق سيرا على الأقدام من القرية وأنجزت الدولة بناء 8 عمارات بإجمالى ما يقرب من 114 شقة كمرحلة أولى لنقل صيادى الضفة الغربية من اتجاه كوبرى المكس، ولكن تعطل الإخلاء ثلاث مرات حيث اعترض الصيادون على عدة أمور حاول المسئولون تسهيل بعضها وفى هذا الصدد يقول السيد عبيد أحد المتحدثين عن الصيادين إنه تم تحويل عقد الإيجار إلى تمليك إيجارى لرفض الصيادين فكرة الإيجار كما تم تخفيض قيمة الإيجار الشهرى من 400 إلى 200جنيه ولكن تبقى عقبة أخرى تتمثل فى عدم وجود مخازن للصيادين يضعون بها الشباك وجراكن البنزين وأدوات الصيد المختلفة. وتضيف شيماء شعبان عضوة رابطة أبناء حى العجمى ومن سكان المكس أن توفيز المخازن أمر ضرورى لصيادى القرية وأن هذه المخازن لابد وأن تكون قريبة من البحر وللأسف ضيق مساحة المكس هو العقبة الرئيسية فى إيجاد بديل يرضى الصيادين . عقبة أخرى اتفق عليها أغلب الصيادين وهى أن أماكن رسو السفن المعدة لهم داخل ميناء الإسكندرية تعانى من خطأ فنى حيث تم إنشاء المرفأ لرسو مراكب الصيادين فى المنطقة الشرقية من الميناء من جانبه يقول مهندس «إبراهيم سلمان» وكيل وزارة الرى بالإسكندرية والبحيرة إن خندق المكس أو فينيسيا الإسكندرية هى عبارة عن مصرف عمومى زراعى يخدم 400 ألف فدان وبحيرة مريوط أيضا وتطوير هذا المصرف ونقل الصيادين منه كان من المشروعات المؤجلة لحين توفيق أوضاع الصيادين وتوفير أماكن رسو لهم داخل الميناء كبديل عن المصرف وإنشاء مساكن بديلة وهو ما يتم بالفعل ولكن بالتدريج. حالات إنسانية ومن خلال جولة الأهرام داخل قرية الصيادين التقينا ببعض الحالات الشديدة الخصوصية مثل حالة «مجدى جمعة مرسي» والذى يتضرر من عدم حصوله على شقة حيث إن له بيتا مكونا من دورين تقطن بالدور الأرضى مطلقته وأولاده بينما هو يقطن بالدور العلوى ولم يحصل سوى على شقة واحدة برغم أن هناك بيوتا حصل أصحابها على أكثر من شقة لوجود أكثر من أسرة داخل المسكن الواحد وتقول مطلقته «شادية محمد» إنها قامت بتسجيل اسمها عندما نزلت لجنة لحصر المستحقين وسجل الزوج السابق اسمه ولكنه سقط من الحصر بسبب أنه تمت كتابة شقته تحت التشطيب وهو قام ببنائها بالتقسيط ومازالت عليه ديون حتى الآن ونحن منفصلان قبل القيام بعملية الحصر. حالة أخرى لسيدة تدعى «جرسم عبد المنعم» حصل أثنان من أبنائها الذكور وهما متزوجان ولديهما أبناء على شقتين كبديل لمنزلهم المكون من دورين بينما لم تحصل هى وابنتها على شقة وتقول جرسم إنه من الصعب أن تعيش فى شقة 65مترا مع أبنائها وأحفادها. أيضا أحد الصيادين العاملين باليومية ويدعى محمود السيد عرفة أحمد يقطن هو وزوجته وابنة معاقة وثلاثة من الأبناء الذكور فى حجرة بدون مرافق وتقع على حدود خندق المكس وليس داخل الممر المائى رفضت أيضا لجنة الحصر تسجيلها وبالتالى لم يحصل على شقة رغم احتياجه الشديد وأسرته لها . أما حالة «رضا عبد النبى عاشور» فتؤكد أنها تقطن فى منزل وحماتها تقطن بمسكن ملاصق لها وتدعى «نفيسة الزلباني» ورغم ذلك لم تحصل الأسرة إلا على شقة واحدة وحتى هذه الشقة لم تتمكن من تسلمها بسبب أن وقت الحصر تم تسجيل السكن باسم الشهرة لزوجها وهو «عبد العزيز عاشور وقالت رضا إن كل الصيادين هنا لهم أسماء شهرة. النظر بعين الرحمة ويقول الأثرى أحمد عبد الفتاح إن قرية الصيادين هى قلب منطقة المكس وسر شهرتها برغم ما تمثله من مساحة صغيرة جدا ويرجع ذلك إلى وجود حلقة السمك اليومية التى قامت على سواعد هؤلاء الصيادين بالقرية وهو ما يعطى سحرا وجاذبية للخندق الذى يعود تاريخه إلى عهد الإحتلال الانجليزي، بنى الصيادون مساكنهم على ضفتى الخندق بامتداد مسافة كيلو ونصف الكيلو متر بطريقة بدائية جعلتها أشبه ببيوت النوبة فى صعيد مصر فلا يتعدى ارتفاعها دور أو دورين فى أفضل الأحوال لتشكل فى النهاية سكنا للصيادين وأبنائهم على هيئة هرم مقلوب أو مدرج من مدرجات ملاعب كرة القدم بحيث يرى كل منزل مصرف ترعة المحمودية الذى يصب فى البحر المتوسط. سر تسمية المكس كانت أهم الضرائب التى عرفها الإنسان هى ضريبة الملح فعندما أراد محمد على باشا تنظيم جباية الضرائب وجد أن الملح هو السلعة الوحيدة التى يمكن أن تدر حصيلة ضخمة على الناس ولا يمكن أن تستغنى عنه فى حياتها ففرض الضرائب على إنتاجه وتداوله وكانت الضرائب فى هذا الزمن تعرف بالمكوس وكان مركز تحصيل هذه المكوس هى منطقة المكس بالإسكندرية ومن هنا جاءت تسمية حى المكس، وقد ظهرت محطة طلمبات المكس فى خريطة لعام 1917 كما يوجد خط سكة حديد فى المكس لسهولة حركة البضائع وكوبرى لمرور السكة الحديد فوق المصرف كما يظهر تكون المساكن تدريجيًا حول مصرف ترعة المحمودية وهى نواة المكان ولذلك فتعتبر قرية الصيادين أول الأماكن السكنية بالمنطقة… فهل تنتهى أزمة خندق المكس ويجد الصيادون حلولاً مناسبة لمشاكلهم.