أسندت رأسها إلى النافذة، تتابع الحقول المسرعة وهى تقاوم الغبار بعبوسها. كان جسدها مستسلما لهزّات القطار، لم تنزعج من القطارات المعاكسة الخاطفة. ولم يقلقها أطفال القرى الذين يقذفون النوافذ بالحجارة. بعد ساعة أخرجت من الحقيبة ساندويتش شاورما وبدأت تأكله. أمامها رجل أربعينى يخفى عينيه بنظارة شمسية رخيصة، ويرتدى بدلة واسعة. كان نائما فأيقظته رائحة الشاورما، عدل جلسته ثم عاد للنوم. بعدما أنهت الساندويتش أخرجت الحلوى، لكنها لم تكملها كما لو أن مرارة انسكبت فى قلبها. أعادتها إلى الحقيبة، وعادت تنظر للأفق. كان الرجل يراقبها متظاهرا بالنوم، ينظر لحقيبة سفرها الكبيرة وينتبه لطراوة جسدها مع اهتزاز القطار. وراقب الجالس بجوارها بما يكفى ليتأكد أنه غريب وأنها وحدها. أدمعت عيناها وامتدت يد تمنع دمعة من الانزلاق، وحطت الأخرى بهدوء على بطنها بأنامل قاسية، سمعها تهمس: «لازم أتخلص منك». مرت نصف ساعة وخفّت أعداد المسافرين، وغادر جارها، ابتسم الرجل بخبث، وخلع نظارته، نظرت إليه، وهو ينظر حوله مظهرا عدم اكتراث لها. عدّل جلسته واصطدمت قدمه بحقيبتها. - آسف جدا يا آنسة، مش آنسة بردو ولا مدام؟! حصل خير. - الواحد مفاصله تربست من القعدة، أصلى نازل القاهرة، مش انت نازلة القاهرة؟» أيوة شنطة السفر بتقول إنك نازلة فى مدينة جامعية.. على فكرة لو مش مستريحة فيها، أنا أعرف ست طيبة بتأجر شقتها للطالبات المغتربات.. ثوان حكتبلك نمرتها لو احتجتيها. متشكرة، مفيش داعى. متتسرعيش يمكن تنفع، لو محتجتيهاش يمكن تلاقى واحدة محتاجاها تاخدى ثوابها وهى ست طيبة. ماشى. قام ليجلس بجوارها وهو يكتب الرقم وبقى هناك بعدما ناولها الورقة. عادت هى إلى جلستها، وأدارت نظرها للأفق فنظر إلى جسدها بشهوانية، وغلبها النعاس قليلا فألصق جسده بجسدها. كان يراها فرصة لا تعوض. فتاة حملت سفاحا وهربت من بيت أهلها، مع بعض الاحتواء يمكن أن يستحوذ عليها، ومن يدرى لعله يتاجر بها ويصبح ثريا، أو على أقل تقدير يساومها مقابل مساعدتها، بالتأكيد هى بحاجة لمال أو مسكن أو عمل أو حتى للتخلص من حملها. وأقل ما تقدمه له أن تسلمه نفسها. رن هاتفها فعدل جلسته وأنصت. أيوة يا سامية. حعمل إيه يعنى.. زى امبارح، عملتى إيه فى موضوع الدكتور.. طب وبعدين؟ بالله عليكى طمنينى.. حكلمك بالليل.. سلام. زادت ثقته بظنه بعدما سمع الحوار وقال: انتى بتدورى على دكتور إيه؟ أمراض نسا بس حالة خاصة شوية. متشغلش بالك. إزاى مشغلش بالى؟ متخافيش حساعدك، أنا أعرف دكتور ممكن يخلصك منه من غير شوشرة. يخلصنى من إيه؟! رد بابتسامة شيطانية: من الحمل، أنا سامعك بتقولى عايزة تتخلصى منه، وإيدك على بطنك، ماتخافيش حساعدك ومحدش حيعرف حاجة، بس ريحينى انتى يا قشطة. ووضع يده على فخذها. نهضت وقالت: الدكتور دا لصاحبتى، واللى عايزة أتخلص منه هو أنت يا قذر. وضربته على وجهه.