«الأهرام تاريخ وطن»..

أبجديات وذاكرة «من زمن فات»

على صفحات الجريدة تتعرّى الحقيقة أمام العيون الناهمة.. يستبسل القلم فى معركة الموقف.. يُستفزّ العقل.. وتتحوّل علامات الاستفهام إلى إجابات تزيل الصدأ عن أبواب المعرفة. هذا ما كشف عنه «الأهرام تاريخ وطن» من خلال عرض 108جرائد نادرة - من العدد الأول- تفرغ ذاكرة الزمن من معظم الأحداث التاريخية الهامة التى شهدتها مصر فى العصر الحديث. المعرض الذى استضافته جريدة الأهرام بشارع رمسيس ، والذى قدمه الدكتور محمد عمر ، وهو أحد اكبر هواة جمع الصحف التاريخية فى الوطن العربى، اخترق كل مساحات السنين كأنه يسبح فى فضاءات ماضية.
.........................
بعيداً عن فذلكة اللغة وتركيباتها، تنقر الحروف نافذة عقل القارئ وتنشط ذاكرته التى باتت تفقد تفاصيلها يوماً بعد آخر. تتباين العناوين لتكتشف معها لحظات ميلاد متجددة لهذا الوطن، حيوات كثيرة عاشها بحلوها ومرها. ميلاد جديد عاشته مصر وقت مجيء فاروق من انجلترا لحكم البلاد، فكان المانشيت: «على الطائر الميمون يا خير قادم.. وأهلا وسهلا بالعلى والمكارم.. إلى الملك القادم.. إلى الملك فاروق».. ولحظة ميلاد أخرى لمصر جاءت عقب ثورة 1952 التى أطاحت بالملك، فكان العنوان «نزول الملك فاروق عن العرش وابحاره أمس».
لحظات هاربة، ذاكرة الأمكنة، مواقف مختلفة تكشف عنها المانشيتات باللون الأحمر والأسود: «مصر تحتفل اليوم بالجلاء» عقب جلاء الإنجليز عن مصر، «لن تفلح المؤامرات» رداً على رفض البنك الدولى تمويل السد العالى، «معارك عنيفة فى شوارع بورسعيد ودورها» أثناء العدوان الثلاثى على مصر، «أبطال المعركة البحرية يروون للأهرام وقائعها» بعد تفجير المدمرة إيلات، «السادات يشهد أضخم عرض عسكرى عرفته مصر» فى نفس يوم اغتياله.
بين العين والورق، تاريخ يكتب أمامك بدءاً من الحقبة الخديوية والحرب العالمية الأولى، ثم إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية بعد 1952، وصولاً إلى اتفاقية كامب ديفيد واغتيال الرئيس السادات وتولى الرئيس حسنى مبارك، وأخيراً ثورة 25 يناير وتولى الرئيس عبد الفتاح السيسى حكم البلاد. فى هذا السياق، يقول الدكتور محمد عمر: هذا المعرض هو خلاصة عشرين عاماّ قضيتها فى البحث والتنقيب عن النسخ الأصلية للأهرام. حصلت عليها عبر المزادات، والمعارض وتجار الكتب، ومزادات اون لاين، وممتلكات كانت مورثة لأشخاص اشتريتها من جميع محافظات مصر.
غيث من الكلمات
الرحيق المسكوب على الصفحات العتيقة يكشف بحبر مداده الأمل فى صحراء واقع يتعارك فيه الحق والباطل عن «النصوص الكاملة لاتفاق كامب ديفيد للسلام». لحظة تاريخية تحملك على أوتار الحلم، حيث لا محدوديَّة الآفاق، ولا حاجز يقف أمام الأمل الجامح. فتتعرف على المكاسب التى تحققت للفلسطينيين - يليها المكاسب التى تحققت لمصر- والتى تتضمن: انتهاء الحكم العسكرى والإدارة المدنية الإسرائيلية فى الضفة الغربية وغزة، والتزام اسرائيل بوقف اقامة أى مستعمرات جديدة فى الضفة والقطاع، بدء انسحاب اسرائيل من الضفة والقطاع فور انتهاء المحادثات، مشاركة الشعب الفلسطينى فى المفاوضات الخاصة بمستقبل الضفة والقطاع والقدس، احترام الحقوق المشروعة للفلسطينيين، حق الفيتو للفلسطينيين على أى قرار يخصهم، تطبيق القرار 242 على الضفة وقطاع غزة، مشاركة أساسية فى مفاوضات القضية، عودة النازحين، حل سريع لمشكلة اللاجئين.
من ناحية أخرى، تتزاحم مانشيتات الجريدة بطبعاتها المختلفة فى زمن الحروب: حرب 1948.. العدوان الثلاثى.. نكسة 1967.. حرب الاستنزاف.. حرب 1973.. إلى جانب الأحداث التاريخية الكارثية مثل زلزال 1992 .. صور وحكايات تفتح بداخلك نتوءات جراحات اندملت بمرور الوقت.. صور سحق التراب والزمن معالم بقاياها.
لم تقتصر المقتنيات المعروضة على أخبار السياسة فقط، وإنما شملت أحداثا تاريخية متنوعة: فنية، رياضية، ثقافية وإجتماعية. ما بين أخبار زواج الأسرة المالكة وحصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، تستوقفك أخبار أخرى مفصلية فى تاريخ هذا البلد العظيم مثل افتتاح مترو الأنفاق لأول مرة فى مصر كوسيلة لحل الأزمة المرورية، وتأهل مصر إلى كأس العالم 1990 وردود فعل الجماهير. صفحات يلامس الحنين كلماتها عن غياب كوكب الشرق «وفاة أم كلثوم بعد صراع مرير استمر 100 ساعة».. كذلك رحيل عدو المرأة «وفاة عملاق الأدب والفكر توفيق الحكيم».
يهوى اقتناء كل ما هو قديم، يقول د. محمد عمر: أنا أعشق جمع الطوابع والعملات. وقد حصلت على الميدالية الفضية المذهبة فى المعرض الدولى لهواة جمع الطوابع الذى أقيم فى القاهرة 2017 بمشاركة اكبر هواة فى العالم. إلّا ان هواية جمع الجرائد تعد أكثر الهوايات التى أعشقها وهى أصعبهما لقلة عدد الهواة مقارنة بالهوايات الاخرى. وبالتالى الحصول على جريدة لحدث تاريخى هو أمر بالغ الصعوبة مقارنة بالحصول على طابع أو عملة لقلة الاحتفاظ بها. لدى مجموعة ضخمة من الصحف القديمة، بداية من الوقائع المصرية، والأهرام، والبلاغ، والمقطم، والمصرى، والوفد المصرى،.. كذلك أحتفظ بأعداد كبيرة من المجلات القديمة مثل اللطائف المصورة، المصور، الاثنين والدنيا، روز يوسف.. لم أدخر وقتاً أو مالاً فى سبيل اقتناء ذاكرة وطن عزيز.