كأن المرأة المصرية اكتفت من المشكلات المجتمعية المتعددة التى تحيط بها منذ أن تصل مرحلة البلوغ حتى أضيفت لها مشكلة جديدة هى الوحدة التى تكون فى أغلب الأحيان إجبارية ما يفرض عليها دفع ضريبة مزدوجة بأن تتكيف مع وحدتها وتقاوم الأمراض النفسية التى تنتج عنها، ثم تتعامل مع نظرة المجتمع الذكورى المشككة فيها حول أسباب وحدتها، ونظرة المجتمع الأنثوى التى تراها خطرا مؤكدا على الأزواج الآنسة ٍس.ج تروى قصة والدتها مع الوحدة فتقول: كانت أمى فى مرحلة متقدمة من عمرها تعانى من عدة أمراض مزمنة، وبعد وفاة أبى وزواج أشقائى، اشتد المرض عليها ما دفعنى لترك فكرة الزواج والارتباط رغم أن عمرى تعدى الثامنة والعشرين، صحيح كأى بنت كنت أحلم بالفستان الأبيض والطرحة وأن أصبح أما وتكون لى أسرة، خاصة أننى كما يرانى الناس جميلة وحسنة السمعة، لكننى فضلت البقاء الى جوارها لرعايتها، وقد سبق وعرض شقيقى أن ينقلها إلى بيته لتقوم زوجته على رعايتها، لكن رفضت بشدة وتمسكت بموقفى، فأنا لا أحب أن ترعى أمى إمراة غريبة حتى ولو كانت زوجة أخى، وماتت أمى وأصبحت أعيش وحدى مع ذكراها، وفضلت أن أظل فى بيتها، عملت بوظيفة حكومية متواضعة أذهب اليها ثم أعود لأمارس عباداتى، وأغلقت الدائرة على نفسى فليس لى صديقات أتسامر معهن وقد فاتنى قطار الزواج. بمرور الوقت تعودت على شعورى بالوحدة، لكن شيئا فشيئا تحول هذا الشعور الى اكتئاب وأصابتنى الأوهام وبدأت أرى أشباحا وخيالات وأسمع أصواتا غير موجودة، ومع الضغوط النفسية التى أتعرض لها من جيرانى وزملائى فى العمل زادت حالتى سوءا وبضغط من أخوتى ذهبت إلى طبيب نفسى، احتجت بعده لعلاج طويل وتماثلت بعده للشفاء بنسبة «07%». بسمة خ.ن لها حكاية أخرى تلخصها بقولها: انتظرت الحب طويلا فتزوجت فى سن متقدمة، هربا من نظرة المجتمع للفتاة غير المتزوجة وهربا من لقب عانس، ورضيت بحياتى لكن تم الانفصال بعد 7 سنوات ورجعت إلى بيت أبى، الذى توفاه الله بعد أشهر قليلة من طلاقى ولحقت به أمى بعد عامين، وأصبحت وحيدة بين جدران البيت، فجأة وبعدما كنت أتحرك بحرية قيدتنى نظرة المجتمع، وأصبح الكلام بحساب والزيارات بحساب، أغلق على نفسى الباب لعدة أيام دون أن يطرقه أحد، فالجارات يخشين على أزواجهن منى وتدريجيا أبتعدت عنى، فالنظرة للمرأة المطلقة يسودها الخوف والريبة، أشعر بالحنين الى زوجى السابق ولكنه تزوج وأصبحت له أسرة جديدة، ومع الوحدة تزيد آلامى فلا أهل ولا زوج ولا أصدقاء. أما «م . م» الريفية النشأة فتشبه الوحدة بعد وفاة زوجها بالموت ليس لها نبض ومنزوعة الفرحة، فلا شىء يعوض دخول أبو الأولاد من الباب. . د. جيهان شفيق أستاذ علم النفس بجامعة الإسكندرية: تؤكد أن الوحدة القاسية التى قد تفرضها الظروف على المرأة يزداد ألمها فى عدم وجود أصدقاء، فالمشكلات والضغوط التى تمر على المرأة الوحيدة فى مجتمعاتنا العربية تقلل من إقبالها على الحياة وتحد من إنتاجيتها فى مختلف الأعمال، ويتضاعف الألم لدى المرأة الوحيدة نتيجة مرورها بصدمات عديدة، والعاجزة وغير القادرة على الاندماج والانخراط فى المجتمع، وغير القادرة على حل مشكلاتها والتى تجد رفضا مجتمعيا أو من الآخرين. المرأة الوحيدة قد تجد الحل فى الافراط فى استخدام وسائل الاتصال الاجتماعى مثل «الفيسبوك» مما يزيد من فرص دخولها دائرة المرض النفسى، ويساعد على زيادة الأوهام والخيالات والأفكار المغلوطة والخاطئة لديها، وربما يؤدى بها الى الرغبة أو الاقدام على الانتحار، لذا على المرأة الوحيدة التخلى عن وحدتها وتجنب الضغوط والمشاكل التى تعترضها والتى تدفعها للوحدة وتجنب التعامل مع البشر، «والوحدة » هى أخطر أمر قد يمر بالانسان. وترى د. جيهان شفيق أن الصداقات العابرة وغير الصادقة لا تعطر حياة المرأة الوحيدة بالأمان الذى تنشده، وعلى المجتمع أن يوفر لها سبل التعارف بالأخريات فى شتى الأنشطة، وعلى أفراده أن يتوقفوا عن توجيه السلوكيات المسيئة لها أو الاشارة بالنقد للأسباب والظروف التى الذى أجبرتها على أن تكون وحيدة، وعدم التدخل فى شئونها. د.غادة موسى عميدة كلية الأداب جامعة الإسكندرية لديها مقارنة مختلفة قليلا إذ ترى أن النظرة للمرأة الوحيدة اختلفت عما كانت عليه فى السابق التى كانت أشد قسوة وظلما، لكنها الآن أصبحت أكثر فهما وتحضرا، وهى الأن قادرة على حصد كافة حقوقها بما فى ذلك حقها فى العيش بمفردها اذا دفعتها الظروف لذلك، ولايهم فى ذلك أن كانت تعيش وحيدة أو وسط عائلة فأوان هذا الكلام انتهى.