أعلنت الحكومة الفرنسية أخيرا عن مشروع قانون لمنع استخدام الطلاب أجهزة الموبايل فى المدارس، ويقضي هذا القانون بمنع استخدام الطالب أجهزة التليفون المحمول داخل المدرسة. وقد أشار وزير التعليم الفرنسى إلى أن هذا القانون تتم دراسة تطبيقه بدءا من العام الدراسى المقبل على جميع طلاب المدارس الحكومية من ست سنوات حتى نهاية التعليم الثانوى، وهذا نتيجة لتحول الموبايل إلى أداة تشويش على التعلم، وقد تعوقه أحيانا. والغريب أن أشد المعارضين لهذا القرار كانوا الآباء الذين أعربوا عن تشككهم فى إمكانية تطبيقه، أما الطلاب أنفسهم فانقسموا بين مؤيد ومعارض. وأعرب المدرسون عن تخوفهم من أن يسبب القانون حالة من الفوضى فى المدارس، مع اقتناعهم بأن تطبيقه قد ينجح فى الحد من انشغال الطلاب بأجهزتهم أثناء التعلم، حيث يستغل الطلاب فترات الراحة بين الدروس فى استخدام الموبايل بدلا من ممارسة الأنشطة، والتواصل مع الآخرين من زملائهم، خاصة أن نسبة استخدام الطلاب للموبايل فى المدارس ارتفعت من20% فى عام 2011 إلى 80% أخيرا. وفى المملكة المتحدة حيث لا يوجد قانون يمنع استخدام الطلاب للموبايل داخل المدارس، قامت بعض المدارس بالفعل بحجب خدمة الإنترنت داخل المبانى، بينما قامت مدارس أخرى بمنع الطلاب من اصطحاب أجهزة الموبايل فى الفصول، والمدهش أنه بعد ستة أشهر من منع الاستخدام تحسن أداء الطلاب بنسبة 6% ، وتراوح منع الاستخدام بين المنع التام طوال أيام الأسبوع ، أو فى أيام محددة لتعويد الطالب الاستغناء عنه تدريجياً، ومساعدته على اكتشاف أنشطة أخرى أكثر إمتاعاً يمكنه القيام بها. وسمحت بعض المدارس لطلابها باستخدام الموبايل فى أنشطة ترتبط بالتعلم بتصريح من المدرس أثناء اليوم الدراسى، كالإجابة عن اختبار إلكترونى، أو تسجيل الملاحظات، أو التقاط الصور، أو المشاركة فى نشاط تعليمى. وفى استراليا ظهرت أخيرا مبادرة تحت عنوان «لا موبايل فى الغرف» تقضى بأن يتم استقطاب الطلاب فى المراحل الدراسية المختلفة لتبنى فكرة الغرف الخالية من الموبايل، بحيث لا تترك معهم فى غرفهم بالمنزل أو السكن الداخلى بالمدارس، واستبدالها بجهاز المنبه التقليدى. وفي الولاياتالمتحدة، تنوعت الاتجاهات بين مؤيد ومعارض؛ فالآباء يرون ضرورة وجود التليفون مع أبنائهم للتواصل معهم، والمدرسون يرون إمكانية الاستفادة من الموبايل فى تعليم الطلاب إذا تم ذلك وفق أهداف محددة تسعى لدمج الموبايل فى بنية المنهج الدراسى، كأن يكون أداة للقيام بالأنشطة التعليمية أو التقويم. أما فى مصر والتى تتصدر الدول الإفريقية فى استخدام الهاتف الجوال، بأكثر من 96 مليون خط تليفون محمول طبقا لإحصائية للجهاز المركزى فى 2017، فهناك محاولات فردية من المعلمين ومديرى المدارس لمنع وجود الموبايل داخل الفصل، وإن كانت هناك دعاوى لتوظيف الموبايل كأداة تعلم نظرا لانتشار استخدامه بين الطلاب والمدرسين والآباء مما يجعله وسيلة ممكنة لدعم الأنشطة التعليمية وربط المدرسة بأولياء الأمور. وتستند الدول فى وضع السياسات لمنع استخدام الموبايل داخل المدارس إلى عدة أسباب منها: أن الموبايل لم يصمم كأداة تعليمية، بل كأداة اتصال، يقل معها التواصل الاجتماعى الحقيقى بين الطلاب وبعضهم، وبينهم وبين المدرسين، وهذا التواصل من ركائز التعلم داخل المدرسة. الاستخدام السلبى للموبايل من بعض الطلاب مثل الحوارات فى موضوعات مخالفة للقيم المجتمعية، أو التورط فى جرائم رقمية، كسرقات الهوية، والقرصنة على معلومات الآخرين، أو اقتباس المعلومات، وانتهاك حقوق الملكية الفكرية. ما أشارت به الأبحاث من أن النظر لساعات طويلة إلى شاشة الموبايل، خاصة فى الأطفال، يؤدى إلى انخفاض مستوى الذكاء، نتيجة سرعة ظهور المعلومات فى الألعاب مما يجعل العقل يستقبل العديد من الإشارات فى الوقت نفسه، ومن ثم يفقده ما يعرف بمهارات الوظائف التنفيذية، التى تمكنه من الاستجابة للمثيرات بعد ذلك، خاصة بعد غلق الموبايل أو اللعبة، وهذا قد يفسر شكوى الآباء من عدم قدرة أبنائهم على تنظيم أمورهم. ويبقى قرار وجود الموبايل فى أيدى الطلاب مبهماً، هل يكتفى به كوسيلة اتصال بين الآباء والأبناء، وفى هذه الحالة يمكن للمدرسة إيجاد بديل لهذا التواصل، أم ننظر إليه كأداة لتحسين التعلم، وفى هذه الحالة تتزايد الحاجة لتقنين هذا الاستخدام، وتعديل استراتيجيات التعلم لتسمح بهذا الوجود. وبين الاتجاهين يقف الطالب حائراً بين تكنولوجيا ممتعة يراها ضرورة حياتية تعود استخدامها عندما قلت أمامه البدائل الأخرى، وبين متطلبات المنزل والمدرسة التى تفرض عليه قضاء ساعات طويلة من التعلم دون توفير أدوات تجعل من هذا الوقت خبرة سارة تعادل فى متعتها ما يقدمه الموبايل. لمزيد من مقالات ◀ د.حنان الشاعر