* الرئيس الأمريكى أطاح بمدير مكتب التحقيقات الفيدرالية دون الرجوع لكبار مستشاري * المليادير باراك صديق الرئيس: «دونالد ليس مجنونا فقط . . إنه غبى» * 9 شركات محاماة أمريكية كبيرة رفضت الدفاع عن ترامب * ايفانكا وكوشنر «أطفال» و نصائحهما كلها «سيئة»
كانت إيفانكا ترامب وزوجها جارد كوشنر مذعورين من مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية جيمس كومي بسبب التحقيقات التي يجريها حول دور روسيا في الانتخابات الأمريكية. ويقول مايكل وولف في كتابه «نار وغضب داخل بيت ترامب الأبيض» إن ستيف بانون، كبير مستشاري ترامب، أخبره أن ايفانكا كانت مرعوبة من مسار تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالية «إف بي أي» في العلاقة المفترضة بين حملة ترامب الانتخابية والروس وإلي أين ستقود. وكان بانون يشير إلي ايفانكا وكوشنر بوصف «الأطفال». وفي جلسته مع وولف قال له موضحاً: «الأطفال أظهروا شعوراً متزايداً بالرعب أن مكتب التحقيقات الفيدرالية ووزارة العدل كانا يتحركان في تحقيقاتهما أبعد من التدخل الروسي في الإنتخابات إلي الشئون المالية للأسرة. كان كوشنر يضغط لإزاحة كومي من منصبه، وهي ضغوط تردد أن ترامب تعامل معها بدون اللجوء إلي كبار مساعديه. ويبدو أن الرئيس أراد أن يصدق الناس أنه، وفي تحرك قوي، اطاح بمدير مكتب التحقيقات الفيدرالية لأسباب شخصية». (متعلقة بشخصية كومي). كان ترامب متلهفاً لغلق ملف تحقيقات ال «إف بي أي» في الدور الروسي في الانتخابات. لكن في مطلع مايو 2017 وعندما علم أن كومي طلب زيادة المخصصات والموارد لأن مكتب التحقيقات الفيدرالية سيوسع التحقيقات، أصيب ترامب بنوبة من الغضب. ففي رأيه ليس هناك قضية أصلاً والتحقيقات ما هي إلا وسيلة لوقف إداراته عن القيام بالمهام التي انتخبت من أجلها. لكن ترامب في نوبة غضبه ارتكب أخطاء. «من المستحيل أن تجعله يفهم أنه لا يمكن إيقاف التحقيقات»، كما قال روجر آيلز، الرئيس السابق لشبكة فوكس نيوز الإخبارية وأحد مستشاري البيت الأبيض، في صوت محبط لمايكل وولف مطلع مايو العام الماضي. وتابع آيلز موضحاً: «في الأيام الخوالي كان يمكنك القول: دع الأمر وشأنه (أي أغلق ملف التحقيقات). فُيترك الأمر لشأنه. اليوم إذا قلت دع الأمر لشأنه تكون أنت الشخص الذي يتم التحقيق معه. لكنه (ترامب) لا يفهم هذا». ويقول وولف إن الكثير من أعضاء الإدارة حاولوا تهدئة ترامب. لكن خلال الاتصالات الهاتفية الليلية، كان أصدقاء الرئيس من الملياديرات يحرضونه علي التحرك، معربين عن القلق من وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالية، ومرددين شائعات أن مايكل فلين، مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض (قبل الإطاحة به في 13 فبراير 2017) لا يمكن الثقة فيه. وان بول مانافورت، أحد مستشاري حملة ترامب، سيقول كل شيء. وأن التحقيقات لن تكون فقط حول روسيا، بل ومشروعات لترامب مثل «اتلانتيك سيتي»، و«مار-لاغو»، و»ترامب سوهو». وقبل إقالته من البيت الأبيض، كان فلين يعرف إن علاقاته الروسية خلال الحملة الانتخابية قد تصبح مشكلة في المستقبل، وتحديداً حقيقة أنه أخذ أموالا من روسيا مقابل كلمة ألقاها، قد تعود وتطارده.
ويقول وولف إنه قبل الانتخابات قال فلين إن أصدقاء أخبروه أن قبول مبالغ مالية من الروس، 45 ألف دولار مقابل كلمة ألقاها في موسكو، لم تكن فكرة جيدة. فرد قائلاً: «ستكون مشكلة فقط إذا فزنا في الانتخابات». (فلين منذ إقالة ترامب له يخضع للتحقيق من قبل وزارة العدل الأمريكية). ويوضح وولف أن فلين مثل بول مانافورت، كانا أحد أعضاء الدائرة الداخلية لحملة ترامب الانتخابية التي أدارت أمورها بدون تمحيص قانوني وبطريقة من شأنها تعريض الحملة للملاحقة والمساءلة. (الحملات الإنتخابية لها قواعد وقوانين صارمة في التمويل والعلاقات الخارجية والممارسات الداخلية). ولأن ترامب ادار حملته بالكثير من الفوضي، فإن هذه الممارسات عادت وطاردته. بعبارة أخري، لو كان ترامب هزم في الانتخابات، فإن هذه المخالفات كانت ستنسي، لكن عندما تصبح رئيساً في البيت الأبيض، فإن متابعتها أمر حتمي. ويوضح وولف أن من بين هؤلاء الذين شجعوا ترامب علي التحرك ضد تحقيقات وزارة العدل و«إف بي أي»، كل من رودي جوليان وكريس كريستي، أحد أهم وأوائل القيادات الجمهورية التي أعلنت دعمها لترامب. فكلاهما، كما يقول وولف، أكدا لترامب أن وزارة العدل الأمريكية تتحرك ضده كجزء من مؤامرة من الرئيس السابق باراك أوباما. أما الأكثر إلحاحاً فكان تشارلي كوشنر، والد جارد كوشنر،الذي حركته المخاوف من أن ملاحقة ترامب، قد تجر معها ملاحقة المعاملات المالية لأسرة كوشنر، خاصة بعد تسرب تقارير من وزارة العدل الأمريكية إلي صحيفة «نيويورك تايمز» في يناير 2017 حول شبهات متعلقة بأعمال شركات كوشنر مرتبطة باستثمارات مع مستثمر إسرائيلي في التعدين والماس، وملياردير عقارات روسي. ويقول وولف: «لم يساعد موقف عائلة كوشنر حقيقة أن ترامب كان يردد دائماً وبكل سرور أن جارد كوشنر سيحل مشكلة الشرق الأوسط لأنه يعرف أفضل الناس في إسرائيل». الإقالة التي فاجأت الجميع لم يطلع ترامب أياً من مستشاريه أو مساعديه علي عملية الإطاحة بكومي المنتظرة وذلك في مخالفة للمتبع في تلك الحالات. وأبعد ترامب كل المحيطين به من مسئولي الإدارة عن الملف لمنع معرفة أي شيء عن نواياه. وفي يوم إقالة كومي 9 مايو 2017، لم يعرف تقريباً أي شخص من مساعدي الرئيس ومستشاريه بأنه يعتزم أخذ الأمور بيديه والتخلص من مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية. إقالة كومي هزت واشنطن علي نحو مذهل. وعلي الأرجح لم يتوقع ترامب كل ردود الفعل التي ترتبت علي خطوته. وربما بسبب قصر الفترة التي قضاها في البيت الأبيض، افترض ترامب أن سلطات الرئيس تخول له الإقدام علي أي خطوة دون مساءلة. لكن إقالة كومي لم تكن أي خطوة، فهي المرة الأولي في تاريخ أمريكا التي يقيل فيها الرئيس مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية. وذهبت كل تفسيرات وتبريرات ترامب أدراج الرياح. فالصحافة الأمريكية المطبوعة ومحطات التلفزيون الإخبارية الرئيسية مالت إلي ان ترامب بخطوته هذه يستبق تحقيقات كومي في دور روسيا في الانتخابات الرئاسية. بعبارة أخري، قرار الإطاحة بكومي أدخل ترامب عش الدبابير وأغرقه في عواقب كان من الصعب رؤيتها آنذاك. ترياق من الأزمة وفي قلب العاصفة، حان ميعاد زيارة ترامب إلي السعودية وإسرائيل وروما وبروكسل التي كانت معدة بشكل مسبق وقبل إقالة ترامب لكومي وتعيين روبرت مولر مكانه وتأكيد مولر أن تحقيقات الملف الروسي ستتواصل وتتوسع. ويقول وولف «المسئولون في الخارجية الأمريكية أثار قلقهم طول الرحلة (من 19 إلي 27 مايو). فالفترة طويلة جداً بالنسبة لأي رئيس، لا سيما لرئيس ما زال في بداية رئاسته ولم يُختبر بعد. (ترامب نفسه الذي يخاف من السفر والأماكن غير المألوفة كان يتذمر مسبقاً من أعباء الرحلة). لكن موعد الرحلة حل سريعاً في أعقاب إقالة كومي وتعيين مولر، ما جعلها هدية من السماء. فلم تكن لتأت في وقت أفضل لشغل الإعلام بأخبار من خارج واشنطن. فالرحلة يمكن أن تغير كل شيء. وتقريباً كل مسئولي البيت الأبيض، جنباً إلي جنب مع مسئولي وزارة الخارجية، ومجلس الأمن القومي كانوا علي الطائرة مع ترامب. وميلانيا وايفانكا وكوشنر. وبحسب وولف: «هذه الرحلة وهذا الوفد الأمريكي الضخم كان الترياق (لأزمة إقالة كومي). وعالم آخر بعيد عن تداعيات تعيين مولر. الرئيس وصهره كانا بالكاد يكبحان ثقتهما وحماسهما. كانا يشعران باليقين أنهما علي طريق السلام في الشرق الأوسط، مثلهما مثل العديد من الإدارات الأمريكية السابقة. عاد ترامب من جولته الخارجية وفي رأيه أن ما أنجزه ينبغي أن يغير الرؤية لإدارته. ويوضح وولف:»لم يستطع تصديق أن انجازاته الدرامية لم تنل تغطية أفضل. كان في حالة إنكار، هكذا لاحظ بانون وبريبوس وآخرون حيال استمرار العناوين حول كومي ومولر». ويتابع: «أحد عيوب ترامب، وهو عيب ثابت منذ الحملة الانتخابية وحتي الآن، هو عدم قدرته علي الربط بين السبب والنتيجة». وفي غياب الربط بين السبب والنتيجة، كان أكثر ما يأمل فيه ترامب أن تُحل مشكلة كومي ومولر بتطور أو حدث جديد. ويوضح وولف: «رحلة السعودية وسعيه لإصلاح النظام العالمي القديم (خلال محادثاته في بروكسل بدعوته لإصلاح الناتو واتفاقات التجارة الحرة) كان ينبغي أن تحققا هذا (أي تبعدا الأنظار بعيداً عن أزمة إقالة كومي وتعيين مولر). لكن الرئيس ظل يجد نفسه محاصراً، بشكل وجده غير قابل للتصديق، بقضية كومي ومولر. فلا شيء لفت الانتباه بعيداً عن هذين الحدثين. انشقاقات في البيت الأبيض قبل أزمة كومي وروبرت مولر، كان لدي مستشاري ومسئولي البيت الأبيض أفكار وانطباعات وآراء في ترامب. بعضهم كان في حالة صراع دائم من أجل تحديد كيف يري ترامب أو يقيمه. لكن الأغلبية أبقت الإجابة لنفسها. ويوضح وولف:»أنه في حالة كومي ومولر، وبعيداً عن محاولات التهرب المعتادة للرد علي سؤال ما هو رأيك في الرئيس؟، لم يكن هناك أي شخص، بخلاف أسرة الرئيس، لم يوجه اللوم إلي ترامب. كانت هذه هي النقطة التي ظهر فيها الإمبراطور عارياً. الآن بات من الممكن وبصوت عال التشكيك في حكمه وفطنة الرئيس، والأهم التشكيك في النصائح التي كانت تصله». «إنه ليس مجنون فقط.. أنه غبي». قال توم باراك، المليادير الأمريكي من أصول لبنانية وصديق ترامب منذ 3 عقود ومهندس زيارة السعودية وأكبر المتبرعين لحملته، واصفاً تعامل ترامب مع كومي. أما بانون وبريبوس، فقد عارضا بضراوة إقالة كومي. في المقابل، لم تدعم ايفانكا وجارد فقط إقالة كومي، بل أصرا عليها. ويوضح وولف: «هذا الحدث المزلزل، عزز توجه لدي بانون، كان يردده علي نطاق واسع، وهو أن كل نصيحة من ايفانكا وكوشنر هي نصيحة سيئة. فلم يكن هناك أي شخص في البيت الأبيض يعتقد أن إقالة كومي فكرة جيدة. حتي الرئيس بدا متخوفاً. وبالتالي، رأي بانون أن دوره الجديد هو إنقاذ ترامب. وترامب سيحتاج دائماً إلي إنقاذ... بالنسبة إلي بانون، هذا التحدي الجديد جلب معه فائدة واضحة وهي: عندما تتعثر حظوظ ترامب. ترتفع حظوظ بانون». ويتابع: «في حكم بانون كانت أزمة كومي -مولر تهديداً لبيت ترامب الأبيض، كما كانت مونيكا لوينسكي تهديداً لبيت كلينتون الأبيض». وكان بانون ومستشارو وموظفو البيت الأبيض غاضبين من تفجر الملف الروسي ويوجهون اللوم للدائرة الضيقة حول ترامب. ويقول وولف إنه في مقابلة مع بانون، قال بانون له إن لقاء دونالد ترامب جونيور (الابن) مع مجموعة من الروس «خيانة». (بعد نشر الكتاب قال بانون إنه عندما استخدم وصف الخيانة لم يكن يشير تحديداً إلي دونالد ترامب جونيور بل إلي بول مانافورت). وكانت شخصيات روسية قد عرضت علي دونالد ترامب جونيور معلومات يمكن أن تضر بسمعة هيلاري كلينتون خلال اجتماع بينهم في يونيو 2016. وينقل وولف في كتابه عن بانون قوله:»المسئولون الثلاثة الكبار في الحملة الانتخابية اعتقدوا أنها فكرة جيدة اللقاء مع أعضاء حكومة أجنبية (روسيا) داخل برج ترامب في قاعة المؤتمرات في الطابق ال25، مع عدم وجود محامين. فلم يكن معهم أي محامين. حتي لو اعتقدت أن هذه ليست خيانة أو عدم وطنية، أو (كلمة نابية)، وأنا أعتقد أن هذا التصرف هو كل هذا، كان يجب دعوة مكتب التحقيقات الفيدرالي علي الفور». لكن مع تفجر الأزمة وبعد الإطاحة بكومي، عرف بانون بالضبط ما ينبغي القيام به. وهو إحكام السيطرة علي البيت الأبيض وبناء فريق قانوني وطاقم اتصالات جديدين مستقلين للدفاع عن ترامب. أو بعبارة أخري بناء حائط حديدي حول البيت الأبيض والرئيس، تماماً كما فعل بيل وهيلاري كلينتون في أعقاب فضيحة مونيكا لوينسكي، علي أن يتصرف ترامب كرئيس وكقائد أعلي. ويوضح وولف أن بانون قال وهو يعرض رؤيته لما يجب فعله بعد أزمة كومي «أنها الحرب» (قالها بانون بحماسة وبالفرنسية) وهو التعبير الشائع في الغرب منذ الحرب العالمية الثانية الذي يعني الحرب الشاملة لتصحيح كل الشرور ومعالجة كل المشاكل. بانون وهو في حالة من الحماسة، وبريبوس، الممتن لأي ذريعة للابتعاد عن الرئيس، هرعا إلي الجناح الغربي في البيت الأبيض لبدء تنفيذ خطة بانون. ويوضح وولف: «لم يغب عن ملاحظة بريبوس أن بانون كان يبني خط خلفي للمدافعين عن الرئيس منهم ديفيد بوسي، وكوري ليواندوسكي، وجيمس ميلر، وجميعهم سيكونون المتحدثين للعالم الخارجي، وسيدينون لبانون بالولاء. والأهم من كل هذا، والذي لم يفت علي بريبوس أيضا، هو أن بانون طلب من الرئيس لعب دور جديد بالكامل عليه ومختلف عن شخصيته وهو الرئيس الهادئ، الثابت، المتريث». لكن علي عكس كلينتون الذي وجد مكتب محاماة كبير للدفاع عنه في فضيحة لوينسكي، وجد بانون صعوبة في إيجاد مكتب محاماة كبير للرئيس. فثلاث شركات محاماة رفيعة المستوي اتصل بها البيت الأبيض رفضت التورط خوفاً من تمرد بين أعضائها الأصغر سناً إذا ما مثلوا ترامب، وخشية من أن ترامب سوف يعرض شركاتهم للمهانة إذا ما ازدادت الأمور صعوبة، أو سيتشدد معهم حيال الفاتورة. وفي الحصيلة النهائية رفضت 9 شركات محاماة كبري الدفاع عن ترامب. لم يكن مدير «أف بي أي» الجديد روبرت مولر بأقل همة في ملاحقة الملف الروسي، بل علي العكس أكثر تصميماً وانخراطاً في التحقيقات التي وسعها لقضايا أخري من بينها طريقة اقالة ترامب لكومي. وكانت هذه أنباء شديدة السوء للرئيس الذي كان يأمل أن يتراجع الاهتمام بالملف الروسي تدريجياً. لكن رغم كل جهوده وطاقمه، ظل شبح الملف مخيم بكثافة علي العام الأول لترامب في الرئاسة. [ الحلقة القادمة: رئاسة علي عكازين ]