فاجأ الأمير زيد بن رعد الحسين المفوض السامى لحقوق الأنسان بالامم المتحدة العالم كله ،بأنه لن يسعى إلى الترشح لولاية ثانية العام الحالى 2018 بسبب الظروف الجيوسياسية الراهنة ،فقد قرر عدم الترشح لولاية ثانية مدتها أربع سنوات، وأعتبر إن الإقدام على هذة الخطوة خلال الظروف الجيوسياسية الراهنة يتطلب الركوع والتوسل، وتقليص استقلالية صوته ودوره الذي هو صوت ودور المفوضية السامية لحقوق الانسان والأممالمتحدة ذاتها ونزاهتها وأستقلاليتها. ووصل الأمير زيد بن رعد الحسين لمنصب مفوض الأممالمتحدة السامي لحقوق الإنسان في 1 سبتمبر 2014، بعد تصويت الجمعية العامة في 16 يونيو 2014 لقرار تعيينه الصادر عن الأمين العام للأمم المتحدة، لخبرته الدبلوماسية فى القضايا الإنسانية داخل لجان وهيئات الأممالمتحدة ،وهو سابع شخصية تتولى هذا المنصب ،وأول آسيوي وعربي مسلم يشغله منذ تأسيس المفوضية الأممية. وتعد الضغوط التى يتعرض لها المفوض السامى لحقوق الإنسان لرغبة عدد من الدول الكبرى فى مقدمتها أمريكا وبريطانيا وإسرائيل وروسيا وتركيا والصين والفلبيين تسيسس أعمال المفوضية التابعة للأمم المتحدة ومهاجمتها إن لم تنصاع لإرادة هذة الدول، أو تتخذ مواقف مستقلة عنها وتعتبرها أحيانا مواقف عدائية ، مايجعل هذه الدول تتحالف معا وتعيق عمل المفوضية والتقارير الصادرة عنها حتى بلغ الهجوم مداه فى شخص المفوض السامى ذاته، ربما تعود هذه الأمور لتداخل عمل حقوق الأنسان مع القضايا السياسية ،ما يجعلها تؤثر سلبا على مكانة وصورة بعض الدول التى ترى أن عمل المفوضية يشوهها دوليا. والضغوط التى تعرض لها الأمير زيد بن رعد وهو دبلوماسى أردنى ظلت كبيرة وصعبة طوال 3سنوات، ويرجع جانب منها لحساسية قضايا حقوق الإنسان والانتقادات المباشرة التى توجهها المفوضية للأنظمة السياسية التى تسمح بتجاوزات فيها وتتراخى عن القيام بإجراءات لحمايتها خاصة بالدول التى تشهد صراعات سياسية أو الدول الضعفية داخليا ، والدول النامية، والتى ترى من وقت لأخر أهمية تحجيم دور المفوضية ، أو إسكات المفوض السامى، وتوقفه عن التدخل المباشر وغير المباشر العلنى فى قضايا بذاتها، دون أن تضع وزنا للإجراءات الدولية ودور المفوضية وهى معادلة صعبة تحتاج لحنكة سياسية بالغة من الدول النامية فى التعامل مع الأنتقادات والقيام فى الوقت ذاته بأصلاحات داخلية وتعريف المجتمع الدولى بحقيقية ماتواجهه هذة الدول من أشكاليات وتحديات داخلية تؤثر على وضعية حقوق الأنسان بها ، لإن المفوضية ترى دورها إنسانيا بحتا فى المقام الاول لنصره قضايا الأنسان على مستوى العالم. لكن القضية الأساسية إنه لا يوجد للدول الكبرى مايبرر تدخلها فى عمل هيئات الأممالمتحدة بهذة الصورة سوى رغبتها فى السيطرة عليها وتطوعيها لخدمة رؤيتها السياسية ، وتحويل المفوضية من العمل الحقوقى الى العمل السياسي ، وهذة الاوضاع الدولية تجعل أهمية كبرى لضرورة طرح عدةونقاط هامة هى قيام المفوضية بتحديثات مستقبلية لطريقة وأليات عملها وتحليها بالموضوعية فى كافة القضايا التى تتصدى لها والبعد عن الأزدواجية المقيتة فى معايير عملها ، والتعامل مع المعارضة السياسية فى المعلومات البيانات التى تصدر عنها ضد بعض الأنظمة السياسية ،وهى ثقوب أذا أتسعت ستسقط دورها لامحالة بمرور الوقت أن لم تسعى لتغيير هذا النهج . ومايحدث للإمير زيد بن رعد ليست الأولى من نوعها التى يتعرض فيها العرب الذين يتولون مناصب مرموقه دولية لضغوط لدفعهم لترك مناصبهم فقد سبقته مواقف بالغة الضيق تعرضت لها ريما خلف وهى وزيرة أردنية سابقة أثناء عملها فى منصب المدير التنفيذى للجنة الأقتصادية والأجتماعية لغرب أسيا بالأممالمتحدة خلال شهر أبريل الماضى 2017. وأضطرتها لتقديم أستقالتها للضغوط التى مورست عليها لعدم نشر تقرير يصنف أسرائيل كنظام فصل عنصرى. وهى نفس الضغوط التى تعرض لها الأمير زيد بن رعد فى تعاملاته اليومية مع إمريكا وأسرائيل وأخرها أدانته لقتل الجيش الإسرائيلي فلسطينياً يجلس على كرسي متحرك خلال احتجاجه ضد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ، واعتبر أن المعلومات والوقائع التي جمعتها المفوضية عن الحادث في غزة تدل على أن القوة التي استخدمت ضده كانت مفرطة وغير مبرره ،وهو مالم يعجب اسرائيل وأمريكا ،كما أتخد المفوض السامى مواقف صارمة تندد بحملة الجيش البورمي ضد أقلية الروهينغا المسلمة، ولم يستبعد احتمال حصول إبادة ضدهم. والخطير فى الإمر أن عدد من دول العالم ترى أن من يعمل فى منصب دولى عليه أن يسدد فاتورة إختيار هذة الدول له للوصول للمنصب ، فأن أراد أن يستمر ويجدد له ولأية ثانية عليه أن يقدم فروض الطاعة ،لها وينفذ أوامرها ، ويحرص على أرضاءها ،وهو مايشير الى إن ديمقراطية النظام الدولى مشكوك فيها والأحداث تدل بجلاء علي ذلك . ومن قبلهم تعرض السياسي المصرى المخضرم المصرى الدكتور بطرس غالى الأمين العالم للامم المتحدة السابق لضغوط امريكية واسرائيلية لمنعه من نشر تقرير قانا عن الانتهاكات الأسرائيلية بحق الفلسطنين والمذابح التى حدثت بها ،وتحلى بشجاعة فائقة كعربى مسيحى ونشره دوليا ،وترك منصبه مرفوع الرأس مخلدا فى تاريخ الأمم والشعوب ، والقاسم المشترك هو أن الدكتور غالى هو الذى أدخل قضايا حقوق الأنسان فى أهداف الأممالمتحدة وعقد من إجلها اول مؤتمر عالمى فى فيينا ،وساهم فى تآسيس مجالس حقوق الأنسان الوطنية على مستوى العالم ،فكرامة الأنسان وإحترامه لذاته أقوى وأهم من كل المناصب . لمزيد من مقالات عماد حجاب;