لم يكن شهر رمضان في الحضارة الإسلامية شهرا للعبادة والتقرب إلي الله تعالي فقط, بل كان شهرا للعمل والجهاد لنشر ذلك الدين العظيم, فحينما تقوي النفس وتسمو الروح يعود ذلك بالضرورة علي الجسد فيقوي ويشتد, فما الجسد إلا مرآة للروح. ولذلك شهد شهر رمضان علي مدي التاريخ الإسلامي الفتوحات العظيمة التي كانت عاملا كبيرا في نشر الإسلام بسماحته وعدله في ربوع العالم, كما شهد رمضان الكثير من الأحداث التي سجلها التاريخ علامات فارقة في مسيرة الحضارة الإسلامية. ففي الثاني والعشرين من رمضان المبارك في العام الأول للهجرة كان بدء إرسال السرايا النبوية, ومنها سرية حمزة بن عبدالمطلب وسرية محمد بن مسلمة وغيرها من السرايا التي ساعدت في دعم قواعد الدين الإسلامي الحنيف. حتي كان السابع عشر من رمضان في العام الثاني للهجرة, حيث كانت معركة بدر الكبري التي انتصر فيها المسلمون بقيادة رسول الله صلي الله عليه وسلم علي جحافل الباطل. وفي العاشر من رمضان سنة ثمان للهجرة فتح رسول الله صلي الله عليه وسلم وأصحابه مكة في الحادي والعشرين من رمضان, وكان هذا الفتح تتويجا لجهود النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه مكة في الحادي والعشرين من رمضان, وكان هذا الفتح تتويجا لجهود النبي صلي الله عليه وسلم في الدعوةإلي الله وإيذانا بسيادة الإسلام في شبه الجزيرة العربية, حيث دخل الناس علي إثره في دين الله أفواجا. وفي الثامن من رمضان سنة تسع للهجرة كانت موقعة تبوك, وعاد الرسول صلي الله عليه وسلم من هذه الموقعة في السادس والعشرين من الشهر نفسه بعد أن أيده الله تعالي فيها تأييدا كبيرا. وبعد وفاته صلي الله عليه وسلم استمر أصحابه رضي الله عنهم علي نهجه في نشر الدعوة, وشهد شهر رمضان أيضا الكثير من الفتوحات الإسلامية العظيمة في أيامهم, ففي الثالث عشر من رمضان سنة خمس عشرة للهجرة وصل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلي فلسطين بعد معارك ضارية لفتح بلاد الشام, وقد تسلم مفاتيح مدينة القدس وكتب لأهلها أمانا لأرواحهم وأموالهم, نسأل الله أن يردها سالمة للمسلمين. وفي الأول من رمضان سنة عشرين للهجرة دخل المسلمون مصر علي يد القائد عمرو بن العاص رضي الله عنه في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن اكتسح عمرو في طريقه جنود الروم الغاشمين. وفي السادس من رمضان سنة ثلاث وستين من الهجرة انتصر محمد بن القاسم علي جيوش الهند عند نهر السند وتم فتح بلاد السند, وكان ذلك في آخر عهد الوليد بن عبدالملك. وكان بدء فتح الأندلس أيضا في الأول من رمضان سنة إحدي وتسعين من الهجرة, فقد نزل المسلمون بقيادة طريف بن مالك البربري إلي الشاطئ الجنوبي لبلاد الأندلس وفتحوا بعض الثغور. وفي التاسع من رمضان سنة ثلاث وتسعين للهجرة قام القائد المسلم موسي بن نصير بحملة لاستكمال فتح الأندلس وتم فتح إشبيلية وطليطلة. وفي التاسع من رمضان سنة مائتين واثنتي عشرة نزل المسلمون علي شواطئ جزيرة صقلية وفتحوها لينشروا الإسلام في ربوعها بقيادة زياد بن الأغلب. وفي شهر رمضان تحقق للمسلمين النصر علي الدولة البيزنطية في معركة عمورية بقيادة الخليفة المعتصم العباسي الذي هب لنجدة إخوانه المسلمين حين استغاثوا به فحرك جيشا كبيرا لتأديب الدولة البيزنطية, وكان ذلك في السابع عشر من رمضان سنة223 ه. وفي الخامس والعشرين من رمضان سنة658 ه نشبت معركة عين جالوت بقيادة المظفر سيف الدين, وكتب الله تعالي النصر للمسلمين فحققوا فوزا ساحقا أوقف زحف المغول وأنقذ الحضارة الإسلامية من الدمار. وكذلك كان أول نصر للمسلمين علي الفرنجة في هذا الشهر الكريم, في السادس من رمضان عام532 ه بقيادة عماد الدين زنكي شمال الشام بحلب. وأما العاشر من رمضان فقد سجله التاريخ ليس كيوم نصر للمصريين فقط, بل كيوم نصر لجميع الأمة العربية والإسلامية, وسيظل يذكره كل عربي ومسلم علي مدي الدهر, كان انتصار الجيش المصري علي إسرائيل في حرب السادس من أكتوبر عام1973 م في معركة العبور, حيث عبر الجيش المصري قناة السويس مستعينا بالله واستعاد سيناء من المحتل الإسرائيلي, وقبل ذلك بمئات السنين وفي العاشر من رمضان أيضا سنة ستمائة وثمان وأربعين للهجرة الموافق الثاني عشر من ديسمبر سنة1250 م انتصر المصريون علي لويس التاسع في معركة المنصورة, وقتل وأسر عدد كبير من جنوده. وهكذا عرف شهر رمضان في التاريخ الإسلامي بشهر الفتوحات, ذلك الشهر الذي شاء الله تعالي أن ينتشر فيه نور الإسلام بأخلاقه وقيمه علي العالمين. المزيد من مقالات د. علي جمعة