لم تنتج تهديدات نيكى هيلى مندوبة أمريكا فى الأممالمتحدة، للدول التى ستصوت ضد القرار الأمريكى بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، أى أثر يذكر, بل صدر القرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 21 ديسمبر 2017م، برفض قرارى ترامب، وتأكيد الشرعية الدولية لمدينة القدس، وذلك بنسبة نحو 75% من إجمالى عدد المصوتين الحاضرين جلسة الجمعية العامة. فقد حضر (172) دولة، صوت منهم (128) دولة لمصلحة شرعية القدس، بينما رفض القرار (9) دول من بينها أمريكا وإسرائيل بالإضافة إلى (7) دول صغيرة، بينما الأهم هو عدد الدول الممتنعة عن التصويت وعددها كبير وقد بلغ (35) دولة! وهو الأمر اللافت للنظر ويمكن تفسيره بما يلي: -أن هذه الدول قد خضعت للضغوط الأمريكية بالتهديد بقطع المعونة أو تعريضها لعدم الاستقرار باتخاذ إجراءات عقابية, واختارت هذه الدول خيار الامتناع عن التصويت بديلاً عن رفض القرار، باعتباره أخف الخيارات ضررًا، وتفاديًا لخطأ تاريخى قد تقع فيه هذه الدول، وهى بالتالى وازنت بين المصلحة المباشرة لها، وبين تفادى التناقض مع مواقف سابقة قد يرتب تهديدًا وخسارة أكبر مما هددت به الولاياتالمتحدة. - أن هناك (6) دول إسلامية كانت من بين الممتنعين، وكذلك (6) دول أخرى من أفريقيا، وهذا يكشف خطأ فى التحركات العربية والإسلامية، حيث لم تبذل الجهود الدبلوماسية للحيلولة دون التغير الظاهرى أو الشكلى فى مواقف هذه الدول. وهو الأمر الذى يحتاج إلى جهود دبلوماسية من مصر أساسًا لاستعادة هذه الدول، التى تشكل غطاءً إقليميًا ودوليًا فى التحركات العربية بقيادة مصر. و يجب ألا يغيب عن صانع القرار المصرى الدوائر التقليدية التى تجمدت منذ زيارة السادات لإسرائيل عام 1977م، وبعدها عقد اتفاقيات كامب ديفيد 1978م، وهى الدائرة العربية التى تفتتت، والدائرة الأفريقية التى تباعدت، والدائرة الإسلامية التى تفككت. وهو ما يحتاج إلى إعادة التخطيط السياسى الخارجى لتنشيط هذه الدوائر، ودفع الدم فى شرايينها مرة أخرى، لتستعيد مصر دورها القيادى الحقيقي. - أن تكون هناك عدة دول فى حوض النيل منها: (جنوب السودان، وأوغندا، ورواندا)، ضمن الدول الممتنعة عن التصويت، يعتبر خسارة كبيرة تحتاج إلى استدراك. - أن يكون من بين هذه الدول الممتنعة ومنها (الأرجنتيناستراليا البوسنة- بولندا الفلبينالتشيككندا وغيرها)، تحتاج أيضًا إلى مجهود وحوار كبير، خاصة أن السيرة التاريخية لهذه الدول، تؤكد دعمها للقضية الفلسطينية. أما الذى يجعلنى أرجح أن هذه الدول خضعت نسبيًا لتهديدات مندوبة أمريكا فى الأممالمتحدة، واضطرت أن توازن موقفها، أنه قد سبق التصويت على قرار بالجمعية العامة قبل عدة أيام بخصوص تأكيد حق تقرير المصير للفلسطينيين فى الأرض المحتلة، فكان التصويت هو (163) دولة مؤيدة، و (2) دولة فقط هما الرافضتان (أمريكا وإسرائيل)، ولم يكن هناك امتناع عن التصويت. كما أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان قد سبق بثلاثة أيام التصويت فى مجلس الأمن وعلى ذات الموضوع وكانت النتيجة إجماع (14) دولة، مقابل فيتو أمريكي!! ولو تمت إدارة دبلوماسية أفضل لتم استبعاد الولاياتالمتحدة من استخدام حق التصويت مادام أن القرار يمسها مباشرة وهناك سوابق تاريخية فى هذا الشأن. ومع كل ذلك، يبقى أن ما حدث هو انتصار للدبلوماسية المصرية، لا يستطيع أن يتجاهله أى محلل سياسى موضوعي. ويكفى أن مصر هى التى تقدمت بمشروع القرار أمام مجلس الأمن، ولم تخضع للضغوط الأمريكية ولا تهديدات السفيرة هيلي، رغم أن مصر من بين الدول التى تتلقى معونات تبلغ نحو 1.2 مليار دولار، منها معونات اقتصادية (100) مليون والباقى معونات عسكرية. إن ما حدث يمكن البناء عليه، وتطوير المواقف المصرية الرسمية، لتقترب وتتقارب مع المواقف الشعبية الرافضة لقرار ترامب بشأن القدس، والابتعاد عن النبرة الهادئة فى الخطاب السياسى والدبلوماسي، والكف عن أن علاقاتنا مع أمريكا «استراتيجية» وعلينا أن نطور أدوات الضغوط وهى كثيرة لحصد مكاسب أكبر. لمزيد من مقالات د. جمال زهران