«مقاطعة الداون تاون» كما يطلق عليها البعض من المتابعين والمهتمين بالتصدى لنهب المال العام فى الاسكندرية تضم 125 فدانا وتقع فى مدخل المدينة الساحلية من جهة الطريق الدولى المميز، أصبحت تشغل بال السكندريين بعدما ذاع صيتها لما تمثله من صداع استمر نحو 20 عاماً فى رأس محافظة الاسكندرية نظراً لما تحويه من ملف ضخم من القرارات والقضايا ومليارات الجنيهات الضائعة نتيجة تهرب المستثمرين من سدادها، وما زاد الطين بلة ان هذا الملف تبين أنه كان يتم التعامل معه ب «خطيئة» الإسناد بالأمر المباشر. «الأهرام» حاولت الاقتراب من هذة المقاطعة لتفتح الملف الشائك، حيث المليارات الضائعة على الدولة منذ عشرات السنين والقرارات التى تتسم بالضبابية وعدم الوضوح والتى لا زالت فى «ثلاجة المحافظة» ومجلس الوزراء. بدأت قصة هذه المقاطعة عام 1998 حينما تعاقدت محافظة الإسكندرية بالأمر المباشر مع إحدى شركات القطاع الخاص لمنحها مشروع تطوير وتنمية وإدارة الحديقة الدولية التى تصل مساحتها إلى أكثر من 125 فداناً لمدة 20 عاماً مقابل أن تسدد الشركة للمحافظة سنوياً حق انتفاع قيمته 450 ألف جنيه سنويا أو 9 ملايين جنية تسدد على أقساط سنوية لمدة 20 عاما بشروط أهمها ألا تقل الاستثمارات التى يتم ضخها عن 20 مليون جنيه لتطوير الحديقة، وتم بعدها تقسيم الحديقة وتأجيرها لأكثر من 20 مستثمراً قاموا ببناء منتجعات سياحية وكافيتريات وملاه وفنادق وأندية وقاعات للمؤتمرات والأفراح ومولات ومحالاً تجارية ومطاعم متنوعة ومعارض سيارات والعديد من الأنشطة التى تقدر إيراداتها بمئات الملايين من الجنيهات سنوياً، وربما تتجاوز مليارات الجنيهات، وتوسعوا فى البناء على الأراضي، وأجَّر المستثمرون «من الباطن» أنشطة تجارية لأكثر من 230 مستأجراً بأسعار تجاوزت 664 مليون جنيه سنوياً مقارنة بالأسعار التى أجرت بها المحافظة للشركة 450 ألفاً والذى لم تستطع المحافظة تحصيلها، وهكذا تحول الأمر من مشروع تطويرى قومى الى مشروع استثمارى بامتياز أصبح معروفا باسم منتجع الداون تاون. اتهامات كثيرة طالت المحافظين السابقين للمدينة الساحلية بالتقاعس والتقصير فى استعادة حقوق الدولة الضائعة بحكم مناصبهم وعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لاسترداد مستحقات الدولة ورد الأراضى المتعدى عليها منذ صدور القرار رقم 802 لسنة 2004 بإلغاء التخصيص الممنوح لعدم الالتزام ببنود العقد وإهدار المال العام، بما يتجاوز حوالى نصف مليار جنيه، حيث انه فى الوقت الذى كانت المحافظة تحصل فيه على 140 قرشاً للمتر كان السعر السوقى يزيد على 7 آلاف جنيه للمتر ووصل سعر الباكية الواحدة الى 50 ألف جنيه إيجاراً من الباطن، من خلال الشركة التى باعت وأجَّرت من الباطن دون دفع مستحقات الدولة. ومن الاقاويل التى انتشرت بشكل كبير فى المدينة انتشار النار فى الهشيم أن المهندس محمد عبد الظاهر، محافظ الإسكندرية الأسبق، كانت أرض الحديقة الدولية هى القشة التى قصمت ظهر البعير ويقال إنها كانت سبباً رئيسياً فى اقالته أو ارغامه على الاستقالة، حيث شكل لجنة من الرقابة الإدارية والأموال العامة والجهات المعنية لتحديد سعر إيجار متر الحديقة الدولية لتحصيل حقوق الدولة المهدرة التى قدرتها جهات التحقيق والجهات الرقابية بأكثر من 300 مليون جنيه فروق إيجارات توقف مستثمرو الحديقة عن دفعها للمحافظة. وعلى الجانب الرسمي، قال اللواء احمد متولى سكرتير عام محافظة الاسكندرية إن المحافظة والدولة تدعمان الاستثمار الهادف والمستثمرين الجادين بهدف دفع عجلة التنمية والاستثمار فى المدينة الساحلية، مؤكداً فى الوقت ذاته ضرورة الحفاظ على حقوق الدولة. وأكد متولى فى تصريحات ل «الأهرام» أن مستثمرى منطقة الداون تاون تنتهى عقودهم رسميا مع المحافظة فى 1 ديسمبر 2018 وبالتالى سيتم التجديد التعاقدى مع المستثمرين الجادين شريطة توفيق اوضاعهم القانونية والادارية مع المحافظة وسداد كامل مستحقات الدولة المتأخرة عليهم، مشيراً الى أنه سيتم منح تسهيلات للمستثمرين الجادين والذين يواجهون متأخرت كبيرة بجدولتها وفقا لاتفاق بين الطرفين اما المستثمرون غير الجادين سيتم سحب المواقع المؤجرة منهم واعادة طرحها فى مزايدة علنية فى التاريخ المحدد لإنهاء العلاقة التعاقدية بين الطرفين. وشدد سكرتير عام المحافظة على أنه لن يكون هناك طرح بنظام «الأمر المباشر» فى الداون تاون على الاطلاق وانما من خلال مزايدة علنية للجميع ومن يرس عليه العطاء يتم التعاقد معه من جديد . وعن عدد المستثمرين فى الداون تاون، قال متولى إنه وفقاً للتعاقدات مع المحافظة يبلغ عددهم 13 مستثمراً فقط من الذين يملكون عقوداً رسمية الا أنه يتم التعاقد مع مستثمرين آخرين فى الباطن. وتظل أزمة الداون تاون معلقة تنتظر ما تسفر عنه الأيام المقبلة من قرارات جريئة من جانب المحافظة واستعادة حقوق الدولة الضائعة، بينما يترقب المستثمرون غير الجادين الموقف النهائى على آحر من الجمر.