لأن نزوعه استبدادى بامتياز وهو لايريد أن يكون له منافس، وبفضل سطوته وهيمنته على السلطات الثلاث (تنفيذية وقضائية وتشريعية ، إضافة إلى الإعلام ) استطاع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أن يحقق نجاحات مهمة فى سبيل سعيه الدؤوب للتخلص من خصومه ولتقليص نفوذ المعارضة ، ولكن الطريق بدأ يتخذ منعطفا شاقا وعسيرا. بداية تمكن أردوغان عبر وسائل وصفت من قبل مناوئيه بأنها غير نزيهة فى أن يستميل حزب الحركة القومية اليمينى المتطرف ، ويدمجه فكريا ليصبح جناحا مساندا لحزبه العدالة والتنمية الحاكم، ولولا ذلك الإنجاز لما تمكن من تمرير التعديلات الدستورية فى إبريل من العام الماضى التى حولت نظام حكمه من برلمانى إلى رئاسى بصلاحيات مطلقة غير مقيدة. ولكن دون أن يدرى أوقعته تلك الخطوة فى شرك أعماله ، فما أن تم الإعلان عن هذا التحالف الذى وصم ب « المشبوه» حتى دب الشقاق والانقسام داخل الحزب القومى وهو أصلا كان مثخنا بالجروح متفكك الأوصال . وعلى الصعيد الجماهيرى انفضت قطاعات عريضة عنه لتنضم إلى قرين آخر اسموه «الخير» بزعامة السيدة ميرال اكشنار التى تمردت بدورها على زعيم الحزب دولت بهتشلى لتقهقره الفاضح فى الإنتخابات البرلمانية المبكرة فى نوفمبر 2016. وها هو أردوغان يكتشف أن سندا مهما له لم يعد يعتد به، والدليل على ذلك أن كافة استطلاعات الرأى بما فيها تلك المعدة بمعرفة مراكزه البحثية نفسها ، أكدت أن « من ارتضى لعب دور المحلل لن يتمكن من تجاوز حاجز ال 10 % المقرر للتمثيل بالبرلمان فى حال جرى استحقاق تشريعي» ، ولكن لامناص من وجوده وبقائه تحت القبة وكى يتحقق ذلك لابد من خفض العتبة التمثيلية والتى ناضل كى لا تمس ولكنه مجبر على هذا الإجراء حتى يتسنى وجود ظهير داعم فى الماراثون الرئاسى مستهل العام بعد القادم خاصة وأن حزبه العدالة والتنمية الحاكم لا يمكن أن تتجاوز نسبته ، مع التدخلات هنا وهناك ، 40 % وهذا على أقصى تقدير. غير أن نسبة ال 5 % المقترحة كشرط لدخول البرلمان من شأنها أن تسمح للمتمردين ،فى إشارة إلى النشطاء الأكراد الذى نكل بقياداتهم بلا هوادة تارة برفع الحصانة عن بعضهم وأخرى بإيداع بعض آخر فى السجون ، بالعودة مجددا وبقوة وبدلا من تقليص المعارضين قد تتسع رقعتهم وهو ما ينذر بعواقب لا تحمد عقباها. ثم أن هناك العقبة المتمثلة فى حزب الشعب الجمهورى العلمانى ،الكيان المعارض الباقى الذى ظل صامدا أمام الطاغوت الستالينى ونظام الحزب القائد الواحد، ولأنه وريث مصطفى كمال أتاتورك ، تجاوز كل الخطوط الحمراء لإصراره على فضح فساد الحكم وبالتالى لم يعد من سبيل سوى التخلص منه، ولكن الإشكال هنا هو كيف؟ فى المستهل لابد من تصوير زعيمه كمال كيلتش دار أوغلو للرأى العام على أنه أصبح أخطر من فتح الله جولين الذى دبر محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف يوليو العام الماضى ، وأنه بات أداة بيد المتآمرين بالعواصم الغربية، وعلى رأسها واشنطن والهدف «تدمير البلد المسلم الوحيد فى العالم الذى يمضى على طريق الحرية والتقدم والعلم». هذا ما خلصت إليه صحيفة أكشام أحد « أصوات القيادة الأردوغانية الرشيدة والملهمة» والتى أضافت قائلة « أن كل ما تفعله أمريكا ينصب بالأساس على إفشال الرئيس رجب طيب أردوغان فى الانتخابات الرئاسية القادمة أنها الفرصة الأخيرة لإسقاطه أو إثارة قلاقل تسمح بحرب أهلية فى حال فوزه». إذن فالمخطط كبير جدا ويستلزم تحركات عاجلة من الرئيس وحكومته. وهنا شرع محاميو القصر الرئاسى إلى رفع الدعاوى القضائية ضد كيلتش دار أوغلو لإهانته شخص الرئيس وهو ما يعد انتهاكا صريحا للقانون ، فى حين أن الرجل لم يفعل شيئا سوى انتقاد صانع القرار وتذكيره بمواقفه السابقة ودفاعه فى وقت مضى عن رجل الأعمال التركى الإيرانى الأصل رضا صراف الذى يحاكم فى نيويورك بتهم غسيل أموال واختراق العقوبات الأمريكية على إيران ، وتأكيده انه نموذج يستحق منحه الأوسمة . بالتوازى أعدت الملفات وبها الأدلة الدامغة التى تثبت عمالة زعيم الشعب الجمهورى للخارج الإمبريالى وفيها ايضا وثائق تظهر كيف أذاع الرجل تسجيلات ملفقة وفى الانتخابات المحلية عقد اتفاقًا مع تنظيم جولين ، بحسب ما أعلنه أحد نوابه فى البرلمان. وكأن كل ذلك لم يكن كافيًا، إذ أجرى كيلتش دار أوغلو زيارات إلى الدول الأوروبية ، ودعاها إلى التدخل فى شئون بلاده بحجة أن الرئيس التركى «ديكتاتور» ، كما أنه دعا السياح إلى «عدم زيارة تركيا»، بحجة أن أرواحهم وأموالهم لن تكون فيها بأمان. وعلى منصة البرلمان خرج ليرفع بيده الوثائق المزيفة من ملفات قضية رضا الصراف الملفقة فى الولاياتالمتحدة. كل هذه الأنشطة، تشكل تهديدا للأمن القومي، وتأسيسا على ذلك يجب اتخاذ موقف حاسم ضد هذا الرجل الذى يتبوأ زعامة أكبر أحزاب المعارضة بالبلاد. فهل سيتم اعتقال كيلتش دار اوغلو ليلحق بصلاح الدين دمير طاش زعيم الشعوب الديمقراطية ؟ هذا ما يتردد فى الأروقة السياسية لكن يقابله رد حاسم مؤداه أنه فى حال حدث ذلك سيكون هذا بمثابة انتحار لأردوغان.