وإذا حذفت لفظ « ارهابيون» من عنوان هذا المقال يصبح المقال عنواناً لكتاب صدر هذا العام لعالِم انجليزى اسمه كرستوفر بريدى كان مؤسساً ومديراً لمعهد البحوث الجنائية. والعنوان الرئيسى لكتابه «التحدث مع سيكوباتيين ومتوحشين» أما العنوان الفرعى فهو «رحلة فى عقل شرير». وإذا حذفت لفظ «متوحشون» مع لفظ «ارهابيون» يبقى لفظ « سيكوباتيون» موضوعاً لكتاب صدر فى عام 2014 تحت عنوان رئيسى «عقول قاتلة» لعالم أمريكى متخصص فى البيولوجيا العصبية اسمه دين هايكوك أما العنوان الفرعى فهو « استكشاف المخ السيكوباتى الإجرامي». وقبل هذين الكتابين صدر فى مصر فى عام 1946 كتاب عنوانه «مشكلة السلوك السيكوباتي» لطبيب اسمه الدكتور صبرى جرجس كان رئيساً للعيادة العصبية النفسية بوزارة المعارف العمومية. والسؤال بعد ذلك: ما العلاقة بين السيكوباتى والارهابى والمتوحش؟ السيكوباتى مريض عقلياً ومن ثم لا يجدى معه العلاج النفسى لأن هذا العلاج يشترط أن يكون المريض على وعى بمرضه وهذا شرط غير متوافر لدى السيكوباتى إذ إن سماته الشخصية هى على النحو الآتي: لا يعرف من آنات الزمان الثلاثة سوى الحاضر أما الماضى أو المستقبل فليس موضع وعي. ومن هنا فهو يقتل بدم بارد وبوجه سعيد وبالتالى يكون فى إمكانه تكرار القتل إذا كان ذلك فى الامكان. ومعنى ذلك أن السيكوباتى لا ينضج من التجربة ولا يرتدع من العقاب ولا يعرف الندم ولا يحس العار ولا يختبر الاحساس بالخطيئة بما يجعل شعاره فى معاملته للآخر «أن يأخذ كل ما يستطيع من أى انسان يستطيع وبأى وسيلة يستطيع». هذا عن السيكوباتى فماذا عن المتوحش؟ المتوحش ليس سيكوباتياً لأنه ليس مريضاً عقلياً لأنه يقر بوجوده فى إطار من العلاقات الاجتماعية ولكنه يقف عندها لأنه لا يفهم معناها. ومن هنا يكون من الميسور له أن يسرق ويقتل بلا أدنى أسف. وفى هذا السياق يمكن القول إن المتوحش غير متحضر، ومن ثم فهو يقع بين الانسان والحيوان. يبقى بعد ذلك الارهابى على نحو ما نراه فى هذا الزمان الذى يتميز بهيمنة الأصوليات الدينية التى تتوهم أنها مالكة للحقيقة المطلقة. ومع تعددها تتعدد المطلقات، والمطلقات ترفض التعددية لأن المطلق واحد بحكم تعريفه بل بحكم طبيعته. ومن هنا فإن تعددها يُدخلها فى صراع بدايته التكفير ونهايته القتل. الارهابى اذن قاتل بالضرورة. وهو فى قتله للآخرين من أصحاب المطلق الآخر محكوم بآنات الزمان الثلاثة: الماضى والحاضر والمستقبل. فلديه موروث يستعين به لتبرير التكفير والقتل ولديه حاضر لا يمثل إلا مسرحاً معداً لعملية القتل، أما المستقبل فحضور فى الجنة أوالنار. هو يختار الجنة لنفسه ويختار النار للآخرين. وهو فى هذا التوزيع يقوم مقام الله فكأنه هو الله أو بالأدق هو المطلق، وهذه نتيجة حتمية لتأليه الارهابي. مثال ذلك الحوار الذى دار بين عبد السلام فرج صاحب كتاب « الفريضة الغائبة» والمنظَر لتنظيم الجهاد فى مصر، وبين الرقيب حسين عباس الذى أصاب السادات فى مقتل فى أثناء العرض العسكرى فى 6 أكتوبر 1981. قال عبد السلام فرج لحسين عباس: مبروك يا حسين أنت هتدخل الجنة قال له حسين: ازاي؟ قال فرج: هتقتل السادات قال حسين: موافق وعندما ذهب المحامى أحمد مجاهد الذى كان نائب حزب العمل الاشتراكى إلى حسين عباس وهو فى قفص الاتهام ليطلب منه الموافقة على دفاعه عنه رفض لأنه يريد الاعدام بدلاً من المؤبد لكى يذهب سريعاً إلى الجنة. والسؤال بعد ذلك: ما هو مفهوم الله عند الارهابي؟ فى بداية الجواب يمكن القول إن هذا المفهوم مغاير لمفهوم الله عند غير الارهابي. المفهوم الأول يعنى التطابق التام بين الله والارهابى بمعنى أنه عندما يقول الارهابى إنه ذاهب إلى الجنة فإنه على وعى بأن الله موافق على هذا الذهاب. ومعنى ذلك أنك لن تفهم الله إلا من خلال عقل الارهابي. ومن هنا لن يكون من حق أحد أن يكفر الارهابى لأنه مؤمن باله معين وعليك بعد ذلك تحرير الارهابى من هذا النوع من الايمان. وفى هذا السياق يمكن القول إن تجديد الخطاب الدينى أو إن شئت فقل إن الثورة الدينية المنشودة تكمن فى تناول مفهوم الله. وهنا يجدر التنويه بما قام به الأسقف الانجليكانى جون روبنسون من تغيير فى مفهوم الله فى كتابه المعنون « لنكن أمناء لله» والذى أصدره فى 19 مارس 1963. ومنذ ذلك اليوم حتى نهاية مارس صدرت تسع طبعات. ثم توالت الطبعات فى السنوات التالية حتى وصلت إلى سبع عشرة طبعة فى عام 1976، ثم ترجم إلى إحدى عشرة لغة. وقبل صدور الكتاب بأسبوع أوجز الأسقف روبنسون كتابه فى جريدة ا الأوبزرفرب تحت عنوان «صورتنا عن الله يجب أن تزول». فالله ليس « هناك» ولا هو «فوق» إنما هو موجود فى « العمق» بمعنى أنه أساس الموجودات. وإثر صدوره حدث جدل حاد حوله. وعندما طُلب منه الرد على منتقديه قال: إن أهم سمة تميز هذا العالم الذى نعيش فيه هو أنه عالم علماني. والمغزى أن ثمة علاقة، عنده، بين مفهوم معين عن الله والعلمانية. وتأسيساً على ذلك كله يمكن القول إن الارهابى ليس سيكوباتياً وليس متوحشاً إنما هو انسان لديه مفهوم عن الله يُلزمه بتكفير الآخر وقتله إذا واصل العناد. ومعنى ذلك أن الارهابى له دين ولكنه مغاير، أما القول بأنه بلا دين فهو قول زائف وزيفه يؤدى إلى وعى زائف يمتنع معه مواجهة الارهابيين. لمزيد من مقالات ◀ د. مراد وهبة