إن كل وطنى مخلص، عاشق لتراب هذا الوطن لا يمكنه أن ينسى موقف الرئيس بوتين وروسيا من ثورة 30 يونيو، عندما احتضنت روسيا مصر فى لحظة حرجة وفارقة من تاريخها، وشدت على يديها فى مواجهة قوى الارهاب، والهجمة الدولية الشرسة الداعمة لها. ومثلت زيارة الرئيس بوتين فى فبراير 2015 دعماً كبيراً لمصر والرئيس السيسى فى مرحلة بالغة الأهمية والتأثير على مستقبل مصر والمنطقة بأسرها. وها هو الرئيس بوتين يعود لمصر يملأه الإيمان بها وبدورها، وداعماً لانطلاقها نحو التنمية والأمان. وكما أطلقت موسكو مشروع السد العالى التنموى العملاق الذى غير وجه مصر الحضارى وكفل لها الحياة فى مرات غير قليلة على مدى نصف قرن، يتم توقيع عقد محطة الضبعة خلال الزيارة، الأمر الذى يضفى على الأخيرة خصوصية ويجعلها تاريخية بكل المقاييس. فقد لبت روسيا تطلعات الشعب المصرى واستجابت للإرادة الشعبية والسياسية الطامحة لمشروع عملاق لتوليد الطاقة ينقل مصر لمستويات أكثر حداثة نحلم بها لأنفسنا ولأبنائنا والأجيال القادمة. يأتى هذا فى الوقت الذى تتسارع مختلف الدول داخل المنطقة وخارجها لامتلاك قدرات نووية سلمية لتوليد الطاقة الكهربية. ولا يمكن لمصر التى كانت رائدة يوماً فى المجال أن تتخلف عن ركب التكنولوجيا الحديثة وما تحمله من فرص تنموية واسعة تسهم على نحو مباشر فى حل الكثير من أزماتنا الاقتصادية والاجتماعية. ومن المعروف أن الطاقة النووية تشكل 20% من الطاقة المولدة بالعالم، ويُنظر إليها كمصدر ضخم للطاقة، وعلى سبيل المثال يحتوي الكيلو جرام الواحد من اليورانيوم أوالبلوتونيوم المستخدم على طاقة تعادل 3.5 مليون كيلوجرام من الفحم. الأمر الذى يسمح بإطلاق مشروعات تنموية عملاقة وتحقيق حلم الوادى الجديد الذى يستوعب الكثافة السكانية المهولة فى مصر، ويوفر فرص عمل وآفاق رحبة لمصر والمصريين. كما ان الطاقة النووية مصدر لا ينضب للطاقة أو ما يعرف بالطاقة المستدامة، حيث إن خامات الطاقة النووية تكفي لاستخدام البشر ملايين السنين، وهى استثمار للحاضر والمستقبل. ومع التقدم التكنولوجى أصبحت تكلفة انتاج الطاقة النووية في الوقت الحالي مقبولة خاصة مع مقارنة هذه التكلفة بالعوائد المتوقعة منها. كما لن الطاقة النووية لا تنتج أي غازات قد تضر البيئة ويعني ذلك أنها لا تفاقم من ظاهرة الاحتباس الحراري. وقد كان العرض الروسى بشأن محطة الضبعة هو الأفضل فنياً ومادياً بين العروض المختلفة التى تقدمت بها أكثر الدول تخصصاً وخبرة فى المجال. وستقدم روسيا قرضاً لمصر يغطى 85% من تكلفة المشروع، يبدأ سداد أقساطه وفوائده عام 2029 أى بعد تشغيل أول مفاعل فى المحطة عام 2022، بسبع سنوات، وبفترة سماح أكثر من عشر سنوات منذ بدء المشروع. ويعنى هذا أن تسديد القرض وفوائده سيكون من عائد المشروع والدخل المتوقع منه. من ناحية أخرى، تعتبر روسيا الأبرز فى مجال إنشاء محطات الطاقة النووية لتوليد الطاقة الكهربائية، ولها خبرة واسعة فى العديد من الدول أبرزها الهند، وتمتلك تكنولوجيا متقدمة جداً فى هذا الصدد. وتتميز روسيا بالاشراك المحلى والسماح للخبراء الوطنيين فى البلد المعنى بالمشاركة فى التنفيذ والتشغيل، كما تتميز بالثقة وغياب الشروط السياسية. ويعتبر معهد الطاقة الروسى أكبر المعاهد المتخصصة فى العالم، وقام بإعداد وتدريب 150 ألف خبير فى مجال الطاقة. يضاف إلى ذلك فى الحالة المصرية أن الخبراء الروس كانوا أول من تعاون مع مصر فى هذا المجال بإنشاء مفاعل »أنشاص« المصري للبحوث النووية خلال الحقبة الناصرية. ورغم ضخامة مشروع الضبعة يظل أحد أبعاد تعاون عملاق يشمل مختلف المجالات التنموية والاستراتيجية بين مصر وروسيا. لقد أوجع الارهاب قلوبنا جميعاً وطال كل بيت فى مصر، زوج أو أخ أو قريب أو جار، وآن الأوان للتخلص من هذا الكابوس الذى يطاردنا ويفسد حياتنا حزناً على من راحوا وقلقاً على الحاضر. وتمتلك روسيا أحدث التقنيات لمواجهة الارهاب ولها خبرة ناجحة جداً فى هذا المجال داخلياً وإقليمياً، ولديها قدرات استخباراتية ومعلوماتية متفوقة، والأهم أن لديها رؤية تتطابق مع الرؤية المصرية فى مجال مكافحة الارهاب واستئصال جذوره ليس فقط من مصر ولكن من المنطقة بكاملها. وهى داعمة ومرحبة بالإجراءات التى تتخذها مصر لاستئصال الارهاب من سيناء والعمق المصرى. وقد أوضحت المناورات الروسية المصرية المشتركة لمكافحة الإرهاب «حماة الصداقة-2016» التى أجريت العام الماضى، ثم الاتفاق الذى تم التوصل إليه الشهر الماضى بين البلدين بشأن الاستخدام المتبادل للأجواء والمطارات لتوطيد الشراكة الاستراتيجية في مكافحة الإرهاب، الآفاق الرحبة للتعاون المصرى الروسى فى هذا المجال على النحو الذى يدعم الأمن والاستقرار فى مصر. على صعيد آخر، تأتى الزيارة فى مشهد إقليمى بالغ التعقيد، فى فلسطين واليمن وليبيا وغيرها، لتبرز مرة أخرى ضرورة الشراكة والتعاون المصرى الروسى حيث تتطابق مواقف موسكو من كل هذه القضايا مع الموقف المصرى الداعم للحقوق الفلسطينية والعربية، وللاستقرار واستعادة الأمن والسلام لكل الشعوب العربية. إن يد روسيا ممدودة لنا بكل الخير والود والمحبة، فلنمد أيدينا ونبنى معاً شراكة استراتيجية مستقرة ننطلق من خلالها إلى ما نحلم به من تنمية وأمان واستقرار. لمزيد من مقالات ◀د. نورهان الشيخ