50 مليار جنيه سنويا حجم سوق الدواء بمصر.. و«المغشوش» يمثل 8% صناعة الدواء يجب أن تعامل ك«قضية أمن قومي» لها الأولوية القصوي، لأنها تتعرض لهجمات شرسة تبدأ من تقلبات السوق المحلية والدولية مرورا بالآثار السلبية لارتفاع وانخفاض العملة الأجنبية داخل السوق المصرية، ما يجعل من تدخل الدولة ضرورة حتمية لإنقاذ هذه الصناعة الحيوية من الانهيار ورغم أن صناعة الدواء فى مصر توفر ما يقرب من 92% من احتياجات السوق المحلية، حيث بلغ حجم سوق الدواء حاليا 50 مليار جنيه تقريبا، لكن تظل غالبية المدخلات الكيميائية الدوائية الخام اللازمة لإنتاجها تستورد من الخارج حيث بلغت ما يقارب 1.5 مليار دولار سنويا. وتكشف الأرقام عن حقائق مخيفة، فقد قفز الإنفاق على الدواء من 22 قرشاً عام 1953 ليصل إلى 295 جنيها عام 2012 وإلى 377.1 جنيه، عام 2013 - 2014. يؤكد الدكتور احمد فاروق عضو مجلس نقابة الصيادلة أن متوسط إنفاق الفرد السنوى من الدواء فى مصر500 جنيه خلال عام 2017 الحالى بعد تحرير سعر الصرف وإجراءات التعويم بعد ان بلغت التكلفة الإجمالية للدواء 50 مليار جنيه. وقد أظهرت بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، تراجع حجم الإنفاق على الصحة إلى 5% من إجمالى الإنفاق العام للدولة خلال عام 2016- 2017 مقابل 5.2% نسبة الإنفاق خلال العام السابق عليه. وقدر «الإحصاء» حجم الإنفاق على الصحة بنحو 48.9 مليار جنيه من إجمالى 974.8 مليار جنيه خلال عام 2016- 2017، بينما كان حجم الإنفاق عليها يُقدر بنحو 44.9 مليار جنيه من إجمالى 864.6 مليار جنيه خلال عام 2015- 2016. مما يعنى ان الإنفاق الحكومى على الصحة بالموازنة العامة للدولة يمثل أقل من 35%، وهناك ما يقرب من 65% من الإنفاق العام على الصحة من «جيب المواطن». منظومة الدواء ويؤكد الدكتور محمود صقر رئيس أكاديمية البحث العلمى ان هناك العديد من التحديات التى تواجه تلك الصناعة فى مصر، وأن الأمن القومى الدوائى والمريض المصرى هما أكثر المُتضرّرين فى حال انهيارها، لذا فقد وجدت الأكاديمية ان منظومة الدواء من أهم المجالات البحثية التى ينبغى النظر اليها بعيون بحثية ثاقبة، لأن الحفاظ على صحة المواطن ترتبط بتوفير دواء آمن وبسعر مناسب، ومن هنا كان توجه الأكاديمية لإنشاء مجلس بحوث الدواء كأحد المجالس النوعية المتخصصة، يضم عددا من كبار علماء الدواء بمصر، والذى قام بوضع خارطة طريق لتشجيع التصنيع المحلى للخامات الدوائية لما تمثله هذه الصناعة من أهمية حيوية، حيث يتم استيراد أكثر من 90% من الخامات الدوائية التى تدخل فى صناعة الأدوية. ويضيف أن الدراسة التى تبنتها الأكاديمية وأنجزها مجلس بحوث الدواء والتى انتهت منذ أيام قليلة واستغرقت عامين، كان هدفها تصنيع الخامات الدوائية محليا للحد من استيرادها والتى تستنفذ ميزانية الدولة ودخول المصريين فى ظل ارتفاع أسعار الدولار، وشملت زيارات ميدانية لمصانع الأدوية فى مصر، والتأكيد على إحياء دور شركة النصر للأدوية بما لديها من خبرات بشرية وبنية تحتية فى استعادة دورها فى توفير خامات الأدوية الأكثر شيوعا محليا بدلا من استيرادها، من خلال تعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الدوائية المصرية فى السوق المحلية والخارجية، فضلا عن تحقيق التناغم بين إنتاج الدواء والاحتياج إليه بانتاج دواء آمن وفعال يفى باحتياجات المواطنين وبسعر فى متناول محدودى الدخل فى ظل منافسة شرسة بين شركات انتاج الخامات الدوائية فى العالم. لذلك فان الجامعات والمراكز البحثية المصرية يمكن ان تلعب دورا أساسيا فى تصنيع الخامات الدوائية لتفى باحتياجات سوق الدواء مما يقلل من عبء الاستيراد . ويرى الدكتور إيهاب الدسوقى الأستاذ بطب أسيوط ومقرر لجنة بحوث الدواء بأكاديمية البحث العلمى والباحث الرئيسى للدراسة، أن سوق الدواء المحلية قادرة على تلبية احتياجات الاستثمار، حيث بلغ حجمة 50 مليار جنيه ، وبلغت قيمة الصادرات من أدوية ومحضرات صيدلة 20.7 مليون دولار فى شهر فبراير و21 مليون دولار فى مارس 2017، مقارنة بما قيمته 18.3 مليون دولار فى فبراير و 21.5 مليون دولار فى شهر مارس 2016، بينما انخفضت قيمة الواردات من الأدوية ومحضرات الصيدلة خلال مارس الماضي، حيث بلغت 183.3 مليون دولار فى مارس 2017 مقابل 217.7 مليون دولار خلال ذات الشهر عام 2016 بنسبة انخفاض قدرها 15.8%. ، ولكن تظل غالبية المدخلات الكيميائية اللازمة للإنتاج تستورد من الخارج بما يعادل أكثر من 1.1مليار دولار سنويا، وقد أدى ارتفاع سعر صرف الدولار الى ارتفاع أسعار الخامات، مما أدى إلى رفع التكلفة الإنتاجية الكلية للمصانع بنحو 30 % وتبعه ارتفاع تكلفة الاستيراد بنسبة 100%، مما يؤثر سلبا على سوق الدواء سواء بارتفاع السعر حال تحريكه من وزارة الصحة، أو اختفاء الدواء من السوق. الدواء المغشوش ونبه إلى أن الدواء المغشوش يشكل نسبة تتراوح بين 5 و 8% من حجم السوق، لذلك فإن تصنيع الخامات الدوائية محليا يجب أن يحظى بأهمية كبرى لضمان استمرارية هذه الصناعة والنهوض بها لحماية سوق الدواء والمريض المصري، حيث تستورد مصر أكثر من 95 % من المواد الخام الفعالة وغير الفعالة ومواد التعبئة والتغليف الخاصة بالصناعات الدوائية من الخارج. وقال إن نجاح تصنيع الخامات الدوائية محليا يتطلب تكاتف الجهود بين الدولة والشركات والجامعات ومراكز البحوث والمواطن، فالدولة مطالبة بإعادة صياغة القوانين الخاصة فى مجال تسجيل الادوية ولجان التسعير ولوائح الاستيراد للمواد الخام وبراءات الاختراع، بما يشجع الشركات الحكومية وشركات القطاع الخاص والشريك الأجنبى لإنتاج الأدوية المثيلة، كبديل للأدوية المستوردة وإقامة تحالفات فيما بينهم يتحقق من خلالها توفير التمويل ونقل الخبرة التى تحتاجها الصناعة الصيدلية فى مجال إنتاج الخامات الدوائية، على الجانب الآخر هناك ضرورة للتمسك بفخر المواطن المصرى بالمنتج الدوائى الوطنى وعدم التشكيك فيه وفى فاعليته . وتؤكد الدكتورة سامية عبد القادر الأستاذ بصيدلة القاهرة أنه لابد أن يكون هناك دور فعال للجامعات ومراكز البحوث المصرية فى دعم تصنيع الخامات الدوائية محليا، من خلال التواصل مع شركات الادوية ودعمها علميا من خلال البحوث والدراسات والزيارات الميدانية، بالأضافة الى استكمال الدراسات السابقة فى مجال تصنيع الخامات وتحديد الكوادر اللازمة للأنتاج والتحليل ورقابة الجودة وكيفية توافرها وتدريبها على اعلى مستوى يرقى بهذه الصناعة محليا. وتوضح أن الشراكة بين الجامعات وشركات تصنيع الدواء تبدأ مع مرحلة التعليم الصيدلى للطلبة فى مرحلة البكالوريوس، بما يتيح للطالب قبل وبعد التخرج التدريب عليها بما يؤدى الى حسن تأهيل الخريج من كلية الصيدلة وهو لديه ادراك ووعى على أسس علمية بما يخص تصنيع المواد الخام الدوائية . ويوضح الدكتور حسين عبد الحى رئيس مجلس ادارة شركة النصر السابق ان الشركة أسسها الزعيم الراحل جمال عبد الناصرعام 1960 بقرار جمهورى برأس مال 3 ملايين جنيه لتكون الركيزة الأولى والقاعدة الأساسية لتصنيع الخامات الدوائية البشرية والبيطرية والمضادات الحيوية والمواد الإستراتيجية المهمة، مثل الكيماويات المعملية لسد احتياجات البلاد، ولكن للأسف تراجع نشاط الشركة وتحولت التوجهات التى أنشئت على أساسها من تصنيع المواد الخام الدوائية، الى شركة مثل بقية الشركات تعتمد على استيراد المواد الخام. وتؤكد الدكتورة عزيزة محروس الأستاذ بكلية الطب البيطرى بجامعة القاهرة أننا يمكننا ان نقوم بإنتاج خامات دوائية بشرية وبيطرية بالإضافة إلى مستلزمات الغسيل الكلوى والبنسلين طبقا لمعايير التصنيع الدولية، وتضيف أنه لا بد من التواصل مع شركات القطاع الخاص الوطني، وتشجيعها للمشاركة فى تصنيع المواد الخام الدوائية لسد احتياجات السوق المحلية خاصة من الأدوية الحديثة مثل أدوية علاج فيروس «سي» على سبيل المثال. نقاط قوة وضعف ويكشف الدكتور حسين إسماعيل الصباغ الأستاذ بصيدلة المنصورة عن أن نتائج الدراسة كشفت عن نقاط القوة والضعف نحو تصنيع الخامات الدوائية وكانت نقاط القوة اختيار نقاط بحثية فى تحضير خامات دوائية لطلبة الدكتوراه والاستعداد الكامل للكوادر بالجامعات على المشاركة فى النهوض بهذه الصناعة أما نقاط الضعف فكان الفساد وتداخل المصالح الشخصية والتجارية فى تطبيق القوانين اللازمة لمعايير الجودة، وعدم توافر معامل معتمدة دوليا لضمان كفاءة وجودة الانتاج، بالاضافة إلى الاعتماد على استيراد معظم الأدوية من مصادر غير نقية وتفتقر لمعايير الجودة المطلوبة اهم المعوقات. بجانب قلة الخبرة ونقص الكوادر التى تحتاجها صناعة الخامات الدوائية والتكلفة العالية لانتاجها، فضلا عن المعوقات من جانب الجهات الرقابية الرسمية والتى يقع عليها عبء التأكد من جودة الخامات الدوائية والمستحضرات المحضرة منها ومطابقتها للمواصفات، يضاف الى ذلك ارتفاع تكلفة الضرائب على الشركات فهناك ضريبة المبيعات بنسبة 10% على الخامات و10% على الآلات المستوردة و13% رسوما جمركية و32% ضريبة أرباح صناعية، وضريبة أجور تبدأ من 2% وتصل إلى 22% وضريبة تمغة تتراوح بين 6 فى الألف و1% والتأمينات الاجتماعية على الأجور 40% لصاحب العمل و8% ضريبة عقارية والضريبة المضافة 10%، بالإضافة لزيادة أسعار الطاقة والمياه وقدم المعدات وتكنولوجيا الإنتاج نتيجة لإحجام الدولة عن ضخ استثمارات خاصة بالإحلال والتجديد مما ادى الى انخفاض معدلات الإنتاج يقابلها زيادة عشوائية لعناصر التكلفة والأجور ودون ربطها بأى عناصر للإنتاج. ومن نقاط الضعف أيضا تعدد السياسات والتشريعات التى تحكم تسجيل وتسعير الأدوية، وعدم وجود هيئة للدواء تضطلع بمنظومة الدواء وتحميه من فوضى السياسات الدوائيه وعشوائيتها .
قشور البرتقال «مخلفات» فى مصر .. وهولندا تصدرها ب 14 مليون دولار يشير الدكتور محمد نبيل أبو العينين الأستاذ بالمركز القومى للبحوث إلى أنه شارك خلال الفترة من 1982 حتى 2004 فى تجربة فريدة لتصنيع الخامات الدوائية محليا من خلال مشروع لانتاج 12 مادة دوائية بكميات محدودة، وانتهت بتقرير مفصل عن هذه المواد يتضمن المعلومات الفنية والعلمية التى تسمح بإنتاجها بكميات كبيرة تغطى احتياجات السوق منها، وتم تقديم هذه التقارير الى شركة النصر للكيماويات الدوائية لتصنيعها ولم تستكمل الشركة المشروع والانتاج على نطاق أوسع، وهناك دراسة أخرى قادها د .مصيلحى رجب الأستاذ بصيدلة القاهرة عن استخلاص مادة «البكتين» من قشر البرتقال كمادة خام للاستخدام فى العديد من الصناعات الدوائية والغذائية، حيث تستورد مصر جميع ما يلزمها من «البكتين»، بينما محصول البرتقال من المحاصيل التى تتميز بها مصر إنتاجا وتصديرا حيث انها رقم 4 عالميا، لكن قشور البرتقال تعامل ك»مخلفات» فى مصر، بينما تصدرها هولندا ب 14 مليون دولار التى يأتى ترتيبها الخامس فى إنتاج البرتقال .
التأمين الصحى وإنتاج الخامات الدوائية طالب د. إيهاب الدسوقى مقرر المجلس بالتعجيل بتطبيق نظام التأمين الصحى الشامل، والربط بين إمكاناته المالية وتمويل صناعة الخامات الدوائية اللازمة لمرضى التأمين الصحي. وتعديل القوانين والقرارات الوزارية الحالية بما يتناسب مع تشجيع الصناعة المحلية للخامات الدوائية (مثل إعفاءات ضريبية و امتيازات فى التسجيل للمكون المصرى وتخصيص حصة فى صندوق المثائل للمستحضرات الصيدلية الداخل فيها خامات مصرية) وأن تتبنى الدولة التشريعات والتيسيرات التى تساعد على عمل تحالفات محلية-عالمية لإنشاء مصانع إنتاج المواد الخام الفعالة وغير الفعالة فضلا عن تعديل سياسة التعليم فى كليات الصيدلة وكليات العلوم لتخريج متخصصين فى إنتاج وتصنيع الخامات الدوائية الكيميائية.
التصنيع المحلى يبدأ ب «قرار سيادي» انتهت الدراسة التى أعدها أعضاء مجلس بحوث الدواء بالأكاديمية الى أن تصنيع الخامات الدوائية فى مصر يبدأ ب «قرار سيادي» له آليات التنفيذ داخل شركات قطاع الأعمال والقطاع الخاص، وعدم التفريط فى أى كيانات وطنية فى قطاع الأعمال، وإنشاء هيئة عليا للدواء يدخل فى تشكيلها وزراء الصحة والاستثمار وقطاع الأعمال والمالية وأساتذة الجامعات والمراكز البحثية والشركة القابضة وغرفة صناعة الدواء، تحت مظلة رسمية لتوحيد السياسات والقرارات الخاصة بالدواء، ويجب تحديث القرار الخاص باعتماد تسجيل المستحضرات الجديدة طبقاً لتداولها فى الدول المرجعية المعترف بها، بحيث لا تخضع المستحضرات الدوائية الجديدة الناتجة عن البحث العلمى الجاد لهذا القرار.