حدثنى صديقى وزميلى بدار الهلال ومجلة المصور المرحوم محمد سعيد، الناقد الفنى الجاد، ابن الإسكندرية وصاحب أكثر من كتاب عن الغناء، فى كل كتاب منها مكان مميز لشادية. فضلاً عن كلامه وتحليله لدور شادية الغنائى وأهميته. كان متعصباً تعصباً مشروعاً لشادية. عاتبنى محمد سعيد لأننا عندما نتكلم عن نجيب محفوظ والسينما. بالتحديد عند الكتابة عن الفنانات اللاتى جسدن بطلات نجيب محفوظ على الشاشة. فإن واحداً لا يذكر شادية أبداً. جرى هذا الكلام فى حياة نجيب محفوظ. وعندما سألت نجيب محفوظ عن شادية والأفلام المأخوذة عن رواياته. قال لى إن شادية رغم أنها جسدت أربع شخصيات من أهم بطلاته النسائية. لا يذكرها أحد. وطبعا سبب هذا الإغفال أن شادية نفسها فى الوقت الذى لعبت فيه هذه الأدوار. لم تسع «للطنطنة» الإعلامية. كما تعودنا من غيرها من الفنانات. فضلاً عن تعدد أدوارها وكونها مطربة مهمة، وأيضاً ممثلة لا تقل أهميتها عن طربها. ثم دخلت إلى رحلة الحجاب الذى اقترن عندها بالصمت التام. الذى احترمته بلا حدود، ليقينى أنه حجاب وكفي، ليست له علاقة بحكايات وهوامش غيرها من الفنانات اللاتى تحجبن. خلال مراحل شهرة نجيب محفوظ العريضة بعد حصوله على نوبل. لم تبد شادية أى رغبة فى زيارته ولا حتى خلال مرضه الأخير. رغم أن غيرها من أهل الفن كانوا يكثرون من التردد على نجيب محفوظ. يلتقطون الصور معه، وينشرون أخبار اللقاءات بتوسع غير عادي. تصيب الإنسان الحيرة بأى الأدوار يبدأ. هل بالأبقى فى الذاكرة منها؟! إنها كلها باقية فى الخيال الإنساني. خاصة أن الأدوار الأربعة من أفلام الأبيض والأسود. عموماً لنلجأ للتاريخ فالزمان هو خير معلم لنا. أول لقاء لها مع روايات نجيب محفوظ. كان فى فيلم اللص والكلاب. سنة 1963. وكانت ثانى رواية لنجيب محفوظ يجرى تحويلها للسينما بعد بداية ونهاية 1961. لعبت شادية فى الفيلم دور نور بنت الليل التى أحبت سعيد مهران السفاح المطارد. ومعظم مشاهدها فى الفيلم أدتها فى مواجهة شكرى سرحان. وجرت الأحداث فى بيتها الصغير الذى تعيش فيه المكون من غرفة وصالة ويطل على قرافة قاهرية. وقد تفوقت شادية فى أداء دور ابنة الليل عندما تحب بشكل حقيقي. وتعرض نفسها للمخاطر. كان من إخراج كمال الشيخ، سيناريو صبرى عزت، وحوار على الزرقاني. فى نفس العام تقريباً لعبت شادية دور حميدة فى فيلم زقاق المدق الذى أخرجه حسن الإمام عن رواية لنجيب محفوظ. وكتب له السيناريو والحوار سعد الدين وهبة. وحميدة كانت محركة الأحداث فى الرواية. لدرجة أن الناقد الأدبى المرحوم رجاء النقاش قال إنها ترمز لمصر. فطموحها هو الذى حرك عباس الحلو لترك الزقاق. والسفر للعمل مع الإنجليز. وطموحها هو الذى أخذها إلى وسط البلد. حيث عملت راقصة فى ملهى ليلي. وتنتهى الرواية بقتلها. وكما لعبت شادية دور نور فى اللص والكلاب باقتدار فقد أدت دور حميدة فى زقاق المدق. بإضافة حقيقية للشخصية التى كتبها نجيب محفوظ. فى سنة 1965. قدمت شادية ثالث أدوارها عن روايات نجيب محفوظ. فى فيلم الطريق الذى أخرجه حسام الدين مصطفي. وكتب له السيناريو والحوار حسين حلمى المهندس. ولعبت دور زوجة صاحب اللوكاندة. الكبير فى السن والتى نزل بها صابر سيد سيد الرحيمى عندما ترك الإسكندرية قادماً إلى القاهرة ليبحث عن والده سيد سيد الرحيمي. بعد أن أخبرته والدته قبل وفاتها بحكاية والده. وطلبت منه البحث عنه. لعب دور صابر رشدى أباظة. ومعظم المشاهد التى أدتها شادية كانت فى مواجهة رشدى أباظة. وقدمت دور الزوجة صغيرة السن. التى تتزوج من زوج فى سن جدها لأنه يوفر لها الأمان المالي. لأنها فى انتظار وفاته حتى ترثه. وهذا ما يدفعها للتآمر مع صابر على قتله. وينكشف الأمر. تمضى أربع سنوات بعد هذا الدور لتلعب شادية آخر دور أدته عن رواية لنجيب محفوظ. وهو دور زهرة فى رواية ميرامار. أخرجه سنة 1969 كمال الشيخ. وكتب له السيناريو والحوار ممدوح الليثي. وزهرة شخصية محورية فى الرواية. ورغم أنها مجرد خادمة فى البنسيون. فإن كل الأحداث انطلقت بعد وجودها من محاولة كل نزلاء البنسيون الارتباط بها وإقامة علاقة معها. ومثلما حدث مع حميدة فى زقاق المدق. ذهب بعض النقاد إلى أن زهرة فى ميرامار ترمز لمصر. تقول زهرة عن نفسها فى الرواية إنها بعد وفاة والدها. فى إحدى قرى مركز رشيد فى البحيرة. أراد زوج أختها أن يسرقها. فزرعت أرضها بنفسها. ثم أراد جدها أن يبيعها بالزواج إلى رجل فى مثل عمره. فتركت القرية ورحلت الى الإسكندرية لتعمل فى بنسيون ميرامار. عرفت البنسيون مبكراً لأن والدها كان يأخذها معه إلى هذا البنسيون لبيع الجبن والزبد. وعندما جاء زوج أختها لاستردادها رفضت زهرة بإصرار العودة إلى القرية. قالت: لن أرجع ولو رجع الأموات. وتقول أنا حرة ولا شأن لأحد بي. يطلب يدها بائع الصحف محمود أبو العباس. ولكنها ترفضه لأنه قد يعيدها إلى حياة مثل حياة القرية التى هربت منها. وتقرر أن تتعلم لأنها لا تريد أن تبقى جاهلة. ولا تريد أن تستمر مدى الحياة خادمة. وقد أدت شادية كل هذه الانفعالات والتطورات ببراعة تحسد عليها. لشادية دور آخر ليس عن رواية لنجيب محفوظ، ولكنه عن رواية لثروت أباظة، رواية: شيء من الخوف، قدمتها سنة 1969، ولعبت فيها دور فؤادة، وكتب لها السيناريو صبرى عزت والحوار عبد الرحمن الأبنودي، وأخرجها حسين كمال، ولعبت البطولة أمام محمود مرسى ويحيى شاهين، والفيلم رشح لجائزة مهرجان موسكو السينمائى الدولي. وأصبحت رمزاً للثورة فى القرية عندما فشل مشروع عتريس للزواج منها وانطلقت العبارة التى عرفت طريقها للواقع: - جواز عتريس من فؤادة باطل. وكتبت تفسيرات سياسية كثيرة للرواية، بل وقيل إن الفيلم المأخوذ عنها كان ممنوعاً لولا أن عبد الناصر أمر بعرضه بالسينما. لمزيد من مقالات يوسف القعيد