منذ شهور طلب رئيس الجمهورية من الإعلام والصحافة أن يركزا جهودهما فى هذه المرحلة على موضوع ضرب الدولة أو هدم الدولة، باعتباره الخطر الأكبر الذى يواجه البلد اليوم، والحقيقة أننى على يقين بأن عملية يناير 2011 كانت أكبر محاولات هدم الدولة فى مصر، والتى استمرت توابعها حتى اللحظة.. وقد أمضيت أسابيع فى القراءة بحثا عن الحالات الأخرى التى تعرضت فيها «الدولة» للخطر، ولدهشتى فإننى وجدت ما أبحث عنه فى مقدمة عبدالرحمن ابن خلدون مؤسس ورائد علم الاجتماع فى القرن الرابع عشر الميلادي، إذ تضمنت مقدمة ابن خلدون وصفا رائعا لحال الدولة حين تنهار، وفيه قال: «حين تنهار الدولة يكثر المنجمون والمتسولون، والمنافقون والمدعون، والكتبة والقوالون، والمغنون النشاز والشعراء النظامون، والمتصعلكون، وضاربو المندل، وقارعو الطبول والمتفيقهون، وقارئو الكف والطالع والنازل، والمتسيسون والمداحون والهجاءون، وعابرو السبيل والانتهازيون، وتتكشف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط، ويضيع التقدير ويسوء التدبير، وتختلط المعانى والكلام، ويختلط الصدق بالكذب، والجهاد بالقتل، عندما تنهار الدول، يسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف، وتظهر العجائب وتعم الإشاعة، ويتحول الصديق إلى عدو، والعدو إلى صديق ويعلو صوت الباطل، ويخفت صوت الحق، وتظهر على السطح وجوه مريبة وتختفى وجوه مؤنسة،ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالخيانة، وتسرى الشائعات عن هروب كبير، وتحاك الدسائس والمؤامرات، وتكثر النصائح من القاصى والداني، وتطرح المبادرات من القريب والبعيد، ويتدبر المقتدر أمر رحيله، والغنى أمر ثروته، ويصبح الكل فى حالة تأهب وانتظار، ويتحول الوطن إلى محطة سفر، والمراتع التى نعيش فيها إلى حقائب، والبيوت إلى ذكريات، والذكريات إلى حكايات.. ووجدت أن هذا النص هو أفضل ما يمكن أن نحذر به الناس من محاولات هدم الدولة، ومن كل هؤلاء الذين يعيشون حولنا متخفين متنكرين، والذين راحوا يدفعون البلد منذ عملية يناير 2011 إلى مصير كذلك الذى ذكره ابن خلدون فى مقدمته منذ سبعة قرون ووثقه على نحو لا يقبل لجاجاً أو سفسطة، ولا يصد أو يرد.. أظن فهمنا!!. لمزيد من مقالات د. عمرو عبد السميع;