من المعروف أن هناك الكثير من البشر الذين يأتون إلى العالم ويذهبون دون أن نشعر بهم ولكن هناك بعض الناس مثل الكواكب تجيء إلى الدنيا فتشع أضواء وتبعث الآمال فى المجتمعات المثقفة وتزيد الحياة ضوءاً وبهجة وسعادة. وهذه التناقضات تحدث داخل النفس البشرية الواحدة فالإنسان نسيج من التناقضات مع ذاته. ونحن حين نغوص فى بحار العلوم والمعرفة متذوقين فنون هؤلاء الذين عرفوا كيف يرتقون بفكر البشر والتأثير فى مشاعر وأحاسيس المثقفين أينما كانوا, فلابد أن نعلم ونعى تماماً أن ذلك لم يكن وليد الصدفة ولم يحدث اعتباطاً. لكن كانت هناك حتماً ظروف حياتية ربما تكون قاسية , فالفنون جميعها تطورت نتيجة بحث الإنسان المتواصل عن الأفضل, وعن طريقة تؤدى إلى إسعاد المجتمع ومخاطبة أعماق فكرة الإنسان المثقف. أعماق فكر الإنسان الباحث عن غذاء الروح والعقل والقلب. والتزود دائماً وأبداً بملامح حياة جميلة تؤدى إلى نسيان مشاكل الحياة المتنوعة وضجرها المزعج, حياة تؤدى إلى البحث عن شاطيء الجمال والاستجمام, والبحث عن أمواج الأمل التى تتزاحم على ذرات الرمال الناعمة والتى تؤدى إلى نوع من التفاؤل وراحة البال , وأذكر أن امبراطور الموسيقى العالمية لودفيج فان بيتهوفن كان قد فقد سمعه وهو فى سن الخامسة والعشرين رغم أنه عاش حتى السابعة والخمسين من عمره ولكنه أبداً لم يستسلم , وظل يعطى عطاءً سخياً للبشرية رغم فقره وشدة احتياجه للمال لكنه تغلب على كل آلامه ومشاقه وخاطب أفكار الناس وأسعدهم بتسع سيمفونيات غاية فى الجمال والروعة, كذلك لا يفوتنى أبداً أن أذكر الموسيقى النمساوى العالمى فرانز شوبرت. فقد عرف أيضاً كيف يبدع وهو الذى قام بتدريس بيتهوفن فى معاهد فيينا فى العاصمة النمساوية وقام بتأليف العديد من السيمفونيات العالمية لكل معزوفاته التى لم تر النور ولم تعرفها الأوساط الفنية إلا بعد وفاته ومات شوبرت فقيراً معدماً مجهولاً لا يعرفه أحد ولم تكتب عنه جريدة واحدة .. لكنه ترك روائع موسيقية مازالت تعزف حتى اليوم فى دور الأوبرا فى العالم, أما أنطونيو فيفالدى الإيطالى المبدع فى عصر الباروك فقد كان أول من صور الطبيعة بالموسيقى ولم يستح أن يعلن على الملأ أن والده كان حلاقاً صباحاً وعازفاً على الكمان مساءً وهو الذى علمه فنون العزف على الكمان, فدخل فيفالدى التاريخ من أوسع أبوابه, معلناً أن الفنون الجميلة والإبداع لا تعرف المستحيل, وتمكن بالفعل من إدخال أرقى فنون العزف على هذه الآلة الساحرة, وتمكن ببراعة أن يتربع على عرش التاليف والأداء الموسيقى الغاية فى الجمال والإبداع. يا سادة هذه كواكب مشرفة دخلت التاريخ لأنها أسعدت البشرية ولاقت فى حياتها الصعاب والهوان والمشقة وعانت من الفقر لكنها أبداً لم تستسلم, أبداً لم تشك, أبداً لم تعرف لليأس طريقاً .. بل عرفت كيف ترفع من شأن الشعوب وتستقطبهم لحدائق الجمال والسعادة وتضعهم على طريق مليء بالتفاؤل والحب والجمال والإبداع مخاطبة النفس البشرية التى تبحث عن زهور الحياة والطمأنينة فى كل بقاع الأرض الواسعة.