يدور العام وتأتى نهايات شهر أكتوبر وأيام نوفمبر وديسمبر لتتجدد ذكرى معركة 1956 وانتصار مدينتى بورسعيد فى حلقة من أعظم حلقات النضال الوطنى والمقاومة الشعبية الباسلة على حلقة من حلقات النذالة والجرائم الاستعمارية وتبادل وتكامل الأدوار بين قوى الاستعمار القديم والحديث، والتى تعيش المنطقة هذه الايام أحدث سيناريو الاستكمال ما تعثر ولم يكتمل من سيناريوهات سابقة، وتدمير ما تبقى من دول وطنية صامدة تقاوم وفى القلب منها مصر.. نذر حرائق جديدة فيما تبقى ولم يشتعل من هذه الدول ونذر شر تحملها المباركات الامريكية والأدوات الاقليمية التى تقوم بالمهمة بالوكالة والالتفاف والمناورات لجر مصر محملة بأثقال أزماتها الداخلية إلى الصراع!! أرجو أن أكون مخطئة وألسنة اللهب التى أراها رؤية العين يستطيع عقلاء وحكماء الأمة أن يتصدوا لها قبل أن تكمل المخططات الشيطانية أهدافها والتى يحمل الكثير مما حدث فى نوفمبر وديسمبر 1956 البصمات السوداء لما يحدث فى المنطقة الآن من تنطع وغرور وبلطجة استعمارية وإدارة خافية وعلنية لمصائر شعوبها وكأنهم الملاك الحقيقيون للمنطقة وأصحابها الذين ليس عليهم إلا الامتثال والطاعة لإرادة السادة المستعمرين!! تعاملوا مع قناة السويس كأنها قناتهم ومنطقة القناة كأنها أرضهم التى أخرجهم المصريون منها وأنهم عادوا فى 1956 ليبقوا فيها إلى الأبد وليتلقوا من أبناء بورسعيد ومصر كلها درسا لن ينسوه أبدا كما لن ينسوا ما فعله المصريون فى 30/6 و3/7 ولم تكن الفروق كثيرة فقط مخلب القط الذى استخدموه فى 56 كان العدو الصهيونى... الآن المخالب كثيرة دولية واقليمية وبعض من يدعون أنهم منا والتدمير والعنف والفوضى الخلاقة كما يطلقون عليها لصالح ولحساب العدو الصهيونى الكيان الوحيد الذى يتمتع بالسلام والامان فى المنطقة!! { وكعادتى فى أيام وذكريات النصر كل عام أعود الى صفحات مما وثقه ابن بورسعيد ومؤرخها المحترم ضياء الدين القاضى ومراجعه أ.سامى هويدى.. فى أول أيام العدوان الثلاثى اغارت الطائرات البريطانية والفرنسية على القاهرة والاسكندرية ومدن القناة، وركزت الضرب على الاهداف المدنية العسكرية فأصيبت المستشفيات والمدارس ودور العبادة، وقدر العسكريون عدد الغارات على بورسعيد بنحو 800 غارة جوية كما قدروا القطع البحرية التى شاركت فى الغزو بضعف القطع التى شاركت فى انسحاب الانجليز من دنكرك وطبقا لما جاء فى الكتاب الابيض الذى اصدرته الحكومة البريطانية فقواتهم البرية ضمت اللواء السادس عشر مظلات واللواء الثالث من الكوماندوز البحريين والفرق الثالثة والعاشرة والثانية التى كانت فى المانيا وكتيبتى دبابات، وتكون الاسطول البريطانى من خمس حاملات طائرات، وخمسة طرادات، واثنتى عشرة مدمرة، وإحدى عشرة سفينة حاملة للجنود والدبابات وسبع غواصات و14 كاسحة ألغام و11 سفينة انزال جنود ودبابات وانضمت الى القوات البحرية البريطانية قوات شاركت فى الجنوب فى الهجوم على السويس وهى ثلاث مدمرات وبارجة وحاملة طائرات وبعض السفن المساعدة. ولن تسمح مساحة المقال بعرض مكونات القوات الفرنسية البرية والبحرية والجوية وقدرت القوات المشتركة التى هاجمت شاطئ بورسعيد صباح الثلاثاء السادس من نوفمبر 1956 بنحو 50 ألف جندى بريطانى وفرنسى وألف طائرة نفاثة ومئات القطع البحرية!! تصوروا بهذه الاعداد الهائلة من القوات والاسلحة أن بورسعيد التى يعرفونها جيدا واستمتعوا عشرات السنين بالحياة فيها والتى تتميز بالوداعة والرقة والجمال والحضارة المدينة الصغيرة التى تبدو كعروس تمتلىء بالبهجة والحياة تستقبل سفن وشعوب الدنيا عند مدخل مصر الشمالى الشرقى أنها ستكون معبرا هينا ولينا وسهلا الى القاهرة التى كما كشفت أوراقهم فيما بعد جاءوا لاسترداد القناة ومصر... لم يتصوروا ان مثل هذه المدينة الصغيرة الجميلة ممكن ان تتحول بأبنائها جميعا من شيوخ وشباب.. نساء ورجال وحتى الاطفال وبدعم محدود من قوات الجيش والشرطة إلى وحش كاسر تجبرهم مقاومته على الرحيل بعد مالم يتجاوز الشهر الا بايام قليلة وليكون 23 ديسمبر 1956 عيدا للنصر والعزة والكرامة وأرجو ألا ننسى الاحتفال به كما يجب والاحتفال ببورسعيد وابناء بورسعيد بما يليق بما ضحوا به وقدموه لمصر كلها واحياء وتعظيم استثمار ما تمتلىء به المدينة من مقومات للنمو والتنمية بل والثراء والغنى لصالح جميع أبناء المدينة وبعدالة توقف التميز لصالح الأقدر ومواصلة من جلبوا ونهبوا ثروات الأمس أن تظل ثمار التنمية والمشروعات الجديدة المستهدفة تسقط عليهم وحدهم !! ما رأيكم فى قراءة فى بعض المساخر الاستعمارية التى كانت مقدمات لمعركة 56... هاجم جيش مخلب القط أو العدو الصهيونى الكونتلا على حدود سيناء الجنوبية.. وتوغلت قواتهم فى سيناء عن طريق القسيمة ورأس النقب بهدف احتلال ابو عجيلة والتقدم الى الاسماعيلية.. فى السادسة والنصف بتوقيت القاهرة 29 اكتوبر 1956 وجه انتونى ايدن انذارا لمصر باسم انجلترا وفرنسا بفجور منقطع النظير يطالبان مصر بانسحاب قواتها والوقوف عشرة أميال من غرب قناة السويس.. أو يكون على مصر أن تقبل باحتلال أراضيها بالقوة.. وامعانا فى التبجح والإجرام حددتا نهاية المهلة فى السادسة والنصف من صباح 31 أكتوبر 1956 وإلا تحملت مصر نتائج رفضها اخلاء مساحة من أرضها والامتثال للإنذار أو للجريمة التى تمثل واحدة من الجرائم التى يجب ان تحاسب بريطانيا عليها. فى بعض ما قرأت من تحليلات عن خطة عدوان 56 أن القوات الغازية حاولت إعادة الخطة التى اتبعت بالبدء بنزول قوات المظلات فى شمال غرب اوروبا عام 1944 وانتهت باستسلام ألمانيا ولكن مصر وبأيدى أبناء مدينتها الوادعة الصغيرة الجميلة بورسعيد لم تستسلم وأجبرت الجيوش الغازية برا وبحرا وجوا على الانسحاب فى هذا المدى الزمنى الذى لم يتجاوز أيام نوفمبر وديسمبر والتى تحكى صفحات الاطلس التاريخى لبطولات شعب بورسعيد 1956 عجائب ومدهشات ما امتلأت به من بطولات المقاومة الشعبية، وبدعم أعداد محدودة من الشرطة والجيش استطاعت ان تظل بالمدينة أو تتسلل. أهم اسرار الانتصار عبر حلقات المقاومة الوطنية كان دائما الانسان لذلك ليس مدهشا محاولات التدمير والتجريف المتواصل لمقومات صلابة وقوة بنائه.. لفتنى خطورة تأثير الإعلام والذى كانت وسائله محدودة ورعب القوات المعتدية من سماع ابناء بورسعيد لنشرات الاخبار فقاموا بمحاولة التشويش على إرسال القاهرة ولما فشلت قاموا بجمع اكثر من 5،000 جهاز من الاهالى وقاموا بتحطيمها وبثوا إطاعة موجهة من جزيرة قبرص تذيع الاكاذيب والسموم ضد مصر فرفض أبناء بورسعيد الاستماع اليها وقامت قيادات المقاومة بطباعة سلاسل طويلة من المنشورات بعنوان سنقاتل.. سنقاتل التى دوى بها صوت الرئيس جمال عبد الناصر من فوق منبر الأزهر ولم تقتصر المقاومة على استخدام جميع أنواع السلاح من فرق المقاومة الشعبية العشر ومن الفدائيين أغلقت المحال التجارية أبوابها ورفضت التعامل مع الغزاة ورفض جميع عمال بورسعيد أى شكل من أشكال التعاون معهم.. حتى حوائط المدينة تحولت الى منشورات ولوحات رعب وانذارات وسخرية حتى أدركوا ان عليهم ان يختاروا بين الجلاء من بورسعيد.. أو الموت ! لمزيد من مقالات سكينة فؤاد